للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن جعله جمع لهاة، على حدّ حصاة وحصى، وأضافه إلى «المنايا» ورفعه بإسناد «وجدت» إليه، فاستعار للمنايا لهوات، على معنى [أنها (١)] كشىء يبتلع الناس، والمراد أفواه المنايا، ولكنه استعمل اللهاة فى موضع الأفواه، لمجاورة اللهاة للفم، وهذا قول محتمل لو كان مرادا للشاعر، وهو لعمر الله يشبه طريقته فى الاستعارات، وإذا لم يكن مرادا له، حملت «لها» على ما تزيده العرب مبالغة فى التبيين، وإن كان الكلام مستغنيا عنه، كقولك: ما وجدت لى إليك طريقا، فقولك «لى» زيادة، ومثله قول محمد بن يزيد الأموىّ:

فلا قدرت عليك يد اللّيالى ... ولا وجدت إليك لها سبيلا

وقد جاء فى بيت للشّمّاخ ما هو أنفر من هذا، وذلك قوله (٢):

وكنت إذا لاقيتها كان سرّنا ... لنا بيننا مثل الشّواء الملهوج (٣)


= بن رشدين: قلت للمتنبى عند قراءتى عليه: أضمرت قبل الذكر! قال: ليس كذلك، وليست المنايا فاعلة، وإنما هى فى موضع خفض». وقد أورد ابن القطاع هذا التأويل فى رسالته (شرح المشكل من شعر المتنبى) ص ٢٤١ من مجلة المورد العراقية-المجلد السادس-العدد الثالث-١٣٩٧ هـ‍-١٩٧٧ م-بتحقيق الدكتور محسن غياض. وجاء بهامش أصل الأمالى حاشية: «قال شيخنا ابن هشام: يظهر لى أن الحامل لهذا المقول على ذلك إنما هو إصلاح الإعراب، لا إصلاح المعنى، وذلك أنه لا يتعدّى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، لا يقال: أحسنت إلىّ، بل أحسنت إلى نفسى، كذلك لا يتعدّى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل، لا يقال: أحسن زيد إليه، بل أحسن إلى نفسه. وعلى هذه القاعدة الثانية انبنى (؟) أن قوله: «لها» ليس بجار ومجرور مضمر عائد على «المنايا» المتأخرة لفظا، المتقدمة (؟) ومن مجموع الحامل لهذا على ما ذكر الأمرين جميعهما [هكذا] أعنى إصلاح المعنى واللفظ. فإن قلت: ما ذكرته يرتفع بجعل «لها» صفة فى الأصل لسبلا، فلما تقدّم عليه صار حالا. فهذا فى غاية البعد وضعف المعنى، فلا معرّج عليه». انتهت الحاشية. وقد وجدت كلام ابن هشام فى المغنى ص ٢٤٥ هكذا: «الظاهر أن «لها» من قول المتنبى «لولا مفارقة الأحباب. . . . البيت» جارّ ومجرور متعلّق بوجدت، لكن فيه تعدّى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل، كقولك: ضربه زيد، وذلك ممتنع، فينبغى أن يقدر صفة فى الأصل لسبلا، فلما قدّم عليه صار حالاّ منه». ثم حكى ما قيل من أن «لها» جمع لهاة، بعبارات ابن الشجرى.
(١) ليس فى هـ‍.
(٢) ديوانه ص ٧٦، وتخريجه فى ص ١٠٠.
(٣) روى: «كان سرّنا وما بيننا»