للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليكم يا بنى بكر إليكم

وممّا جاء فيه من هذا الضرب تكرير ثلاث جمل، قول الآخر:

فأين إلى أين النّجاء ببغلتى ... أتاك أتاك اللاّحقوك احبس احبس (١)

أراد: إلى أين تذهب؟ إلى أين تذهب؟ أتاك اللاّحقوك، أتاك اللاحقوك، احبس البغلة احبس البغلة، فحذف الفعل والفاعل من اللّفظين الأوّلين، وحذف الفاعل من أحد اللفظين الثانيين، وحذف المفعولين من اللّفظين الثالثين، وحذف أحد الفاعلين من قوله: «أتاك أتاك اللاّحقوك» يقوّى (٢) ما ذهب إليه الكسائىّ من حذف الفاعل، فى باب إعمال الفعلين، ألا تراه لو أضمر الفاعل ولم يحذفه، لقال: أتوك أتاك اللاّحقوك، أو أتاك أتوك اللاّحقوك.

ومن تكرير المفرد قول القائل (٣):

أبوك أبوك أربد غير شكّ ... أحلّك فى المخازى حيث حلاّ


(١) شرح ابن عقيل ٢/ ١٦٨، وقطر الندى ص ٣٢٠، وشرح الشواهد للعينى ٣/ ٩، والتصريح ١/ ٣١٨، والهمع ٢/ ١١١،١٢٥، وشرح الأشمونى ٢/ ٩٨، والخزانة ٥/ ١٥٨. قال البغدادىّ: «وهذا البيت مع شهرته لم يعلم له قائل ولا تتمّة». ويبقى أن أشير إلى أنه يأتى فى بعض الكتب «أتاك أتاك» بكسر الكاف، كأنه خطاب للبغلة، والصحيح أنه بالفتح، والشاعر يخاطب صاحبه، يقول: لا نجاة لك من اللاحقين، فشجّع نفسك ولا تظهر الجزع. قاله أحمد بن الأمين الشنقيطى، فى الدرر ٢/ ١٥٨، قلت: وقد يكون الشاعر يخاطب نفسه. ويروى: اللاحقون.
(٢) فى الأصل: «وهذا يقوّى»، وأثبتّ ما فى هـ‍.
(٣) هكذا فى هـ‍. وفى الأصل: «قول الفرزدق»، ولم أجده فى ديوان الفرزدق المطبوع. والبيت مع بيت بعده لجميل فى شرح الحماسة للمرزوقى ص ٣١٤، وعنه ديوان جميل ص ١٩١. ونسبا لمساور بن مالك القينى، فى الأشباه والنظائر للخالديّين ٢/ ٢٧٠. والبيت الشاهد من غير نسبة فى الخصائص ٣/ ١٠٢، والاقتضاب ص ٣٠٨، وجعله ابن السّيد فى هجاء ابن ميّادة، وهو الرمّاح بن أبرد، وعليه فقد رواه: «أبوك أبرد»، وخطّأ رواية الحماسة «أربد». وانظر مقدمة شعر ابن ميادة ص ٢٤، ولم يزد محقّقه شيئا على ما ذكره ابن السّيد البطليوسى. وجاء بهامش أصل الأمالى: «هذا البيت وما معه من الشرح كلّه كلام ابن جنى فى كتاب مشكل أبيات الحماسة، من أوائل الحماسة».