للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جدّا، فلذلك لم يعمل العامل الضعيف إلا فى النّكرات، كقولك: عشرون رجلا، / ولى مثله فرسا، وزيد أحسنهم أدبا، فلما كانت «لا» أضعف العاملين (١)، والنكرة أضعف المعمولين، خصّوا الأضعف بالأضعف، وجاء فى شعر أبى الطيب أحمد بن الحسين إعمال «لا» فى المعرفة فى قوله (٢):

إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

ووجدت أبا الفتح عثمان بن جنّى غير منكر لذلك، فى تفسيره لشعر المتنبى، ولكنه قال بعد إيراد البيت: شبّه «لا» بليس، فنصب بها الخبر.

وأقول: إن مجيء مرفوع «لا» منكورا فى الشعر القديم هو الأعرف، إلا أنّ خبرها كأنهم ألزموه الحذف، وذلك فى قول سعد بن مالك بن ضبيعة:

من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (٣)

أراد: لا براح لى، أو عندى، وفى قول رؤبة (٤) بن العجاج:

والله لولا أن يحشّ الطّبّخ ... بى الجحيم حين لا مستصرخ

أراد: لا مستصرخ لى، ومرّ بى بيت للنابغة الجعدىّ، فيه مرفوع «لا» معرفة (٥)، وهو:


(١) بهامش الأصل حاشية: «كان ينبغى أن يقول: العوامل؛ لأن العاملين يختصّ بذوى العقول، وكذا ينبغى أن يقول: المعمولات بدل المعمولين». وعلّق أحدهم على هذه الحاشية، قال: «قوله: كان ينبغى الخ: ليس كذلك؛ فإن المراد هنا التثنية لا الجمع، فى العاملين والمعمولين، فالعاملان: ليس، ولا، والمعمولان: المعرفة والنكرة: هذا ما ظهر لى».
(٢) ديوانه ٤/ ٢٨٣، والمغنى ص ٢٦٥، وشرح أبياته ٤/ ٣٨٢، والشذور ص ١٩٨، وص ١٦٠، والتصريح ١/ ١٩٩، والجنى الدانى ص ٢٩٤. وسيأتى فى المجلس السابع والستين.
(٣) فرغت منه فى المجلس الحادى والثلاثين.
(٤) الصحيح أنه العجاج، وتكلمت عليه فى المجلس المذكور.
(٥) حكى هذا عن ابن الشجرىّ: ابن أم قاسم، فى الجنى الدانى ص ٢٩٣، وابن هشام فى المغنى؟ ص ٢٦٤، والعينى فى شرح الشواهد ٢/ ١٤٤، والأشمونى فى شرحه ١/ ٢٥٣.