للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان حقّه «كافيا» لأنه حال بمنزلة المنصوب فى قوله تعالى: {وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً} (١) ومثله فى إسكان الياء فى موضع النصب، قول الفرزدق (٢):

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد ... وعينا له حولاء باد عيوبها

قال: «باد»، وكان حقّه: باديا، إتباعا لقوله: «عينا» ولا يجوز أن يكون «عيوبها» مبتدأ وخبره «باد» لأنه لو أراد ذلك لزمه أن يقول: بادية، ألا ترى أنك لو قدّمت العيوب، لم يصحّ أن تقول: عيوبها باد، كما لا تقول: الرجال جالس، وإذا كان كذلك فالنصب فى قوله: «متراخيا» بالعطف على مبتغ، لأنه منصوب الموضع فكأنه قال: لا أنا مبتغيا سواها، ولا متراخيا عن حبها.

فإن جعلت «لا» الأولى ملغاة كان قوله: «أنا مبتغ» مبتدأ وخبرا، ولزمك أن تعمل الثانية، ويكون اسمها محذوفا، تقديره: ولا أنا عن حبّها متراخيا، وحسن حذفه لتقدّم ذكره.

فإن قيل: فهل يجوز أن يكون قوله: «متراخيا» حالا، والعامل فيه الظرف الذى هو «عن» كما يعمل الظرف فى الحال، إذا قلنا: زيد فى الدار جالسا؟

قيل: لا يجوز ذلك، لأن «عن» ظرف ناقص، وإنما يعمل فى الحال الظرف التامّ، ألا ترى أن قولك: زيد فى الدار، كلام مفيد، ولو قلت: زيد عنك راحلا، ومحمد فيك راغبا، لم يجز، لأنك لو أسقطت راحلا وراغبا، فقلت: زيد عنك، ومحمد فيك، لم يكن كلاما مفيدا، فإذن لا يصحّ إلا أن ترفع راحلا وراغبا، وتعلّق الجارّين بهما.

/ووجدت بعد انقضاء هذه الأمالى، فى كتاب عتيق يتضمّن المختار من شعر الجعدىّ: «لا أنا باغيا سواها» فهذه الرواية تكفيك تكلّف الكلام على «مبتغ».


(١) سورة النساء ٤٥.
(٢) تقدّم فى المجلس السادس عشر.