للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والغالب على «أمّا» التكرير، كقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ} (١) ثم قال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ} ثم قال: {وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ} وقد جاءت غير مكررة فى قوله: {يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاِعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} (٢).

واعلم أن «أمّا» لمّا نزّلت منزلة الفعل نصبت، ولكنها لم تنصب المفعول به، لضعفها، وإنما نصبت الظرف الصحيح، كقولك: أمّا اليوم فإنى منطلق، وأمّا عندك فإنى جالس، وتعلّق بها حرف الظرف، فى نحو قولك: أمّا فى الدار فزيد نائم، وإنما لم يجز أن يعمل ما بعد الظرف فى الظرف، لأن ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها، وعلى ذلك يحمل قول أبى على (٣): «أمّا على إثر ذلك فإنّى جمعت» ومثله قولك: أمّا فى زيد فإنى رغبت، ففى متعلقة بأمّا نفسها فى قول سيبويه وجميع النحويين، إلا أبا العباس المبرّد، فإنه (٤) زعم أن الجارّ متعلق برغبت، وهو قول مباين للصحّة، خارق للإجماع، لما ذكرته لك من أن «إنّ» تقطع ما بعدها عن العمل فيما قبلها، فلذلك أجازوا: زيدا جعفر ضارب، ولم يجيزوا: زيدا إنّ جعفرا ضارب.

/فإن قلت: أمّا زيدا فإنّى ضارب، فهذه المسألة فاسدة فى قول جميع النحويين، لما ذكرته لك من أن «أمّا» لا تنصب المفعول الصريح، وأنّ «إنّ»


(١) سورة الكهف ٧٩،٨٠،٨٢.
(٢) سورة النساء ١٧٤،١٧٥، وللزمخشرىّ كلام جيد، فى علّة عدم تكرير «أمّا» هنا، انظره فى الكشاف ١/ ٥٨٩، وانظر المغنى ص ٥٧.
(٣) من مقدمته فى كتابه الإيضاح ص ٥، وانظر البصريات ص ٦٧٨.
(٤) لم أجده فى المقتضب. وانظر ما يأتى فى الصفحة التالية.