للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يصطحبان فى الوقوع على الجيف، ولولا ذلك كان حقّه أن يقول: ومن/يكونا شريكيه، فهذا أشدّ من الإفراد فى بيت حسّان، لأنه أفرد المضمر فى «يكن» وجاء بالخبر مثنّى، فهذا أحد القولين فى المسألة.

والقول الآخر: أن يكون قوله: «مئونة» خبرا عن العشر وحده، وخبر الخراج محذوف، لدلالة الخبر الأوّل عليه، كأنه قال: العشر مئونة والخراج مئونة، فحذف خبر الثانى، وإن شئت قدّرت خبر الأول محذوفا، كما قال (١):

نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأى مختلف

أراد: نحن بما عندنا راضون، فحذفه لدلالة راض عليه، ومثل ذلك فى حذف أحد الخبرين فى التنزيل قوله: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} (٢) قال:

يرضوه، ولم يقل: يرضوهما، لأن الضمير عاد إلى أحد المبتدأين، إن شئت أعدته إلى اسم الله تعالى، وإن شئت أعدته إلى رسوله (٣) [ومذهب صاحب الكتاب أن الضمير عائد إلى رسوله] لأنه أقرب الاسمين إليه، والخبر عن الله سبحانه محذوف، ويصحّ هذا التقدير فى بيت حسّان، ولا يصحّ فى البيت الآخر، لمجيء الضمير فى «يكن» مفردا، ومجىء الخبر مثنّى، فيصحّ: إنّ شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا، والشّعر الأسود كذلك، ولا يصح: ومن يكن الذئب شريكيه، فلا يحمل الذئب والغراب إلاّ على الاتّحاد، لكثرة الاصطحاب.

وممّا جاء فى التنزيل نظير المسألة، حذو القذّة (٤) بالقذّة، قوله جلّ وعزّ:


(١) تقدم فى المجلس السابق.
(٢) سورة التوبة ٦٢، وانظر تعليقى على هذه الآية فى المجلس السابق.
(٣) سقط من هـ‍. وانظر مذهب سيبويه فى الكتاب ١/ ٧٤، وإن لم يستشهد بالآية الكريمة. وانظر إعراب القرآن للنحاس ٢/ ٢٨، وتفسير القرطبى ٨/ ١٩٣.
(٤) القذّة، بضم القاف وتشديد الذال: ريش السّهم. وقذّ الريش: قطع أطرافه وحذفه، على نحو التدوير والتسوية. وفى الحديث: «لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة» قال ابن الأثير: يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. النهاية ٤/ ٢٨، والمراد: كما تقدّر كلّ واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع.