للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول: إن الرّفع فى هذا الحرف أقوى، لأمرين: أحدهما: تقدّم المبتدأ الذى هو {الشَّمْسُ} على الخبر الذى هو {تَجْرِي} (١) فمراعاة الاسم الذى الفعل فى ضمنه أولى، ألا ترى أنّ سيبويه (٢) لم يعتدّ بالفعل الذى هو {تَجْرِي} وحمل نصب {الْقَمَرَ} على قولك: زيدا ضربته.

والثانى: أن «قدّر» يتعدّى إلى مفعول واحد، وقد تعدّى هاهنا إلى مفعولين، الهاء والمنازل، وإنما تعدّى إلى الهاء بتقدير حرف الخفض، أى قدّرنا له منازل (٣)، هذا هو المعنى، ألا ترى أنك تقول: قدّرت لزيد دينارا، ولا تقول: قدّرت زيدا دينارا، وإذا كان حق «قدّر» أن يتعدّى بالجار، وكان إضماره مخالفا للقياس، كما أن (٤) [إضمار] «مررت» فى قولك: خرج زيد وعمرا مررت به، لا يجوز، وموجب نصب {الْقَمَرَ} عندى ذكر المصدر، الذى هو التقدير فى قوله:

{ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ألا ترى أن المصدر إذا وقع هذا الموضع، فإنه فى تقدير التحليل إلى أن والفعل، كقوله: {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ} (٥) أى: ولولا أن دفع الله الناس، فكأنه قيل: ذلك أن قدّره العزيز العليم، أى قدّر جريان الشمس لمستقرّ لها، أى إلى مستقرّ لها، ومعنى اللام هاهنا معنى «إلى» كما قال تعالى:

{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} (٦) أى: إليها، والإشارة بقوله: {ذلِكَ} إلى الجريان الذى/ دلّ عليه {تَجْرِي} وجّهت الإشارة إلى المصدر، الذى دلّ عليه فعله، كما عاد الضمير إلى الشكر، لدلالة فعله عليه، فى قوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (٧).


(١) راجع التصريح ١/ ٣٠٤.
(٢) قدّمت أن سيبويه لم يتل آيتى يس.
(٣) فى نصب مَنازِلَ وجهان آخران، ذكرتهما فى حواشى المجلس الثامن والعشرين.
(٤) ليس فى هـ‍. وتقدم تعليل ذلك فى المجلس السابق.
(٥) سورة البقرة ٢٥١، والحج ٤٠.
(٦) سورة الزلزلة ٥.
(٧) سورة الزمر ٧.