للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخطر لى فى نصب {كُلَّ} وجه مخالف للوجهين المذكورين، وهو أن يكون قوله: {كُلَّ شَيْءٍ} نصبا على البدل من اسم إنّ، وهو بدل الاشتمال، لأن الله سبحانه محيط بمخلوقاته، فيكون التقدير: إنّ كلّ شيء خلقناه بقدر، فيكون قوله: {خَلَقْناهُ} صفة لشيء، وقوله: {بِقَدَرٍ} متعلّقا بمحذوف، لأنه خبر إنّ.

فإن عورض هذا القول بأنّ ضمير المتكلّم وضمير المخاطب لا يبدل منهما، لأن البدل إنما/يراد به تخصيص المبدل منه، وضمير المتكلّم والمخاطب فى غاية التعريف، فلا حاجة بهما إلى التخصيص.

فالجواب عن هذه المعارضة، بأن الإبدال من ضمير المتكلّم وضمير المخاطب لا يسوغ إذا كان البدل هو المبدل منه، وذلك بدل الشىء من الشىء، وهو هو، ويسمّونه بدل الكلّ، وأمّا بدل الاشتمال وبدل البعض، فيسوغان فى ضمائر المتكلّمين والمخاطبين، لأن بدل الاشتمال وبدل البعض لا يخصّصان المبدل منه، لأنهما ليسا إياه، ألا تراك إذا قلت: إنك كلامك يثقل عليّ، فنصبت «كلامك» لأنك أبدلته من الكاف، كان حسنا، فالتقدير: إن كلامك يثقل علي، وكذلك لو قلت: إنى لأبغضك كلامك، كان مستقيما، وكذلك بدل البعض، كقولك: إنى أحبّك وجهك، تريد أحبّ وجهك، وكذلك إذا قلت:

زيد يحبّنى علمى، أردت: يحبّ علمى، فكلام مستقيم.

وقد جاء فى التنزيل إبدال البعض من ضمير المخاطبين المجرور، وأعيد فى البدل حرف الجر، فى قوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ} (١) فقوله: {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ} بدل (٢) من قوله: {لَكُمْ}


(١) سورة الأحزاب ٢١.
(٢) هذا رأى الكوفيين والأخفش، وعليه الزمخشرىّ، ولا يجيزه البصريّون؛ لأن الغائب لا يبدل من المخاطب، وعندهم أن اللام فى لِمَنْ متعلّقة بحسنة. الكشاف ٣/ ٢٥٦، وتفسير القرطبى ١٤/ ١٥٦، والبحر ٧/ ٢٢٢. وانظر البيان ٢/ ٢٦٧، والتبيان ص ١٠٥٤.