للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمّل هذا الفصل، فما علمت أنّ أحدا كشفه هذا الكشف (١).

وهذا اللفظ، أعنى «إمّالا» كثيرا ما يدور فى كلام العامّة، فيفتحون همزة «أمّا لا» (٢) يميلون ألف لا.

والخامس: حذف الفعل جوابا، فمن ذلك حذفه جوابا للشرط والقسم، ولو ولولا ولمّا وأمّا، وحتى إذا.

فحذفه جوابا للشّرط، كقولك: من كفى شرّ نفسه، فتحذف الجواب، لأنه معلوم، أى كفى شرّا عظيما، وكذلك تقول: أتصير إلىّ؟ فيقول: إن انتظرتنى، يريد: إن انتظرتنى صرت إليك، وحسن حذف الجواب، لأنّ قوله:

أتصير إلىّ؟ دلّ عليه، وفى التنزيل: {ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} (٣) أى إن شكرتم وآمنتم لم يعذّبكم، لأن معنى {ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ} أىّ شيء يفعل الله بعذابكم؟ فما هاهنا مخرجها مخرج الاستفهام، ومعنى الكلام التقرير بأنّ العذاب لا يكون للشاكر المؤمن، لأن تعذيب الشاكر المؤمن لا غرض لحكيم فيه، فكيف بمن لا تضرّه المضارّ، ولا تنفعه المنافع، سبحانه وتعالى؟

وأمّا حذف جواب القسم، فقد ورد فى قوله جل اسمه: {ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (٤) تقدير الجواب: لقد حقّ الأمر، وقيل: الجواب {كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} (٥) والمراد: لكم أهلكنا، فحذف اللام، لأنّ الكلام بينهما طال،


(١) الحقّ أن ابن الشجرى ليس أوّل من كشف معنى «إمّالا» فقد سبقه إليه الليث، كما حكى صاحب اللسان فى «إمّالا» ٢٠/ ٣٥٧، غير أن لابن الشجرى فضل بسط العبارة. وانظر العين ٨/ ٣٥١.
(٢) هكذا، ولعل الصواب «ويميلون». وقال الجوهرىّ فى الصحاح: «وقد أمالت العرب «لا» إمالة خفيفة، والعوامّ يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء، وهو خطأ». وانظر درّة الغوّاص ص ٢٣١.
(٣) سورة النساء ١٤٧.
(٤) أول سورة ص.
(٥) الآية الثالثة من السورة. وهذا القول حكاه الفراء وثعلب. معانى القرآن ٢/ ٣٩٧، وزاد المسير ٧/ ٩٩.