للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأين خليسا بعد أحوى تلعّبت (١) ... بفوديه سبعون السّنين الكوامل

وأنكرت إعراض الغوانى ورابنى ... وأنكرن إعراضى وأقصر باطلى

أراد: من السّنين، فحذفها وأعملها.

وذهب الخليل إلى أن النكرة بعد «كم» فى نحو: كم رجل عندى، تنجرّ على إرادة «من» والدليل على جواز ذلك، كما قال الخليل، قول الأعشى (٢):

كم ضاحك من ذا ومن ساخر

أراد: كم من ضاحك، فلذلك عطف عليه بمن، فقال: ومن ساخر.

وبالجملة إنّ إضمار الجارّ وإعماله بغير عوض، ضعيف، وإنما استجازوا إضمار «من» بعد «كم» لأنه قد عرف موضعها، وكثر استعمالها فيه، كما كثر استعمال الباء فى جواب قولهم: كيف أصبحت؟ فقيل ذلك لرؤبة، فقال (٣): «خير عافاك الله»، فحذف الباء وأعملها، وسوّغ له ذلك ما ذكرته من كثرة استعمالها مع هذا اللفظ.

ومثل ذلك حذف الباء من اسم الله تعالى، فى القسم، فى لغة من قال:

الله لتفعلنّ، وهو قليل، ولم يستعملوه فى غير هذا الاسم، تعالى مسمّاه، فهو مما اختصّ به، كاختصاصه بالتاء فى القسم، وبقطع همزته فى النّداء، فى إحدى اللّغتين، وبتفخيم لامه (٤) إذا تقدمتها ضمّة أو فتحة، وبإلحاق آخره ميما مثقّلة عوضا


(١) فى هـ‍: «تغلبت».
(٢) ديوانه ص ١٤١، وكتاب الشعر ص ٥١. والرواية فى الديوان: يا عجب الدهر متى سوّيا كم ضاحك من ذا وكم ساخر وعلى هذه الرواية لا شاهد فى البيت، لأن منزع الشاهد هو من قوله «ومن ساخر» فى رواية أبى على وابن الشجرى، فإنّ ذكر «من» هنا دليل على أنها مرادة قبل «ضاحك» بدليل قول ابن الشجرى الآتى.
(٣) سبق تخريجه فى المجلس الثامن والعشرين.
(٤) راجع (باب ترقيق اللام وتغليظها) من الكشف ١/ ٢١٩، وانظر ما يأتى فى المجلس السابع والأربعين.