للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وممّا حذف منه حرف الجر، فعاقبه النصب قول المتلمّس (١):

آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه ... والحبّ يأكله فى القرية السّوس

أراد: على حبّ العراق.

وممّا حذفوه من الحروف الجارّة، وعوّضوا منه، كما حذفوا واو القسم وعوّضوا منها الهمزة الاستفهامية وحرف التنبيه: ربّ، حذفوها، وعوّضوا منها الواو، كقول القائل (٢): «وقرن قد دلفت إليه فى المصاع» وكقوله:

وسبى قد حويته فى المغار

أراد: ربّ قرن، فحذف ربّ، وأدخل الواو، فمن النحويين (٣) من قال: إن الواو هى الجارّة، على طريق النيابة، ومنهم/من قال: إن الجرّ بربّ مقدّرة، والقول الأول عند بعض النحويين أجود، قال: لأنك إذا لم تحكم بأن الجرّ للواو، كانت عاطفة، والعاطف لا يقع أوّلا، وإنما يجيء بعد معطوف عليه، وهذه الواو كثيرا ما تقع مبتدأ بها فى الشّعر، كقول رؤبة:

وبلد عامية أعماؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه (٤)

فلو حكمت بأن الجرّ لربّ، تمحّضت الواو للعطف ابتداء، والعطف لا يقع


(١) ديوانه ص ٩٥، وتخريجه فيه. وانظر أيضا الأصول ١/ ١٧٩، والبصريات ص ٩١٤، والجمل المنسوب للخليل ص ٩٦، والمغنى صفحات ٩٩،٢٤٥،٥٩٠،٦٠٠، وشرح أبياته ٢/ ٢٥٩. وقوله: «آليت» أى أقسمت وحلفت. وهو بفتح التاء-لا بضمّها كما يأتى فى كثير من الكتب- لأنه يخاطب عمرو بن هند الملك.
(٢) هذا والذى بعده من الشواهد التى لم أعرف صوابها ولا تتمّتها.
(٣) الكوفيون والمبرّد من البصريين. والرأى الآخر لعامة البصريين. الإنصاف ص ٣٧٦، والجنى الدانى ص ١٥٤، والمغنى ص ٣٦١ (حرف الواو)، وتذكرة النحاة ص ٨، وراجع المقتضب ٢/ ٣١٩، ٣٤٧، وقد ذكر ابن الشجرى هذا الخلاف فى المجلس الثانى والعشرين.
(٤) فرغت منه فى المجلس الثانى والعشرين.