للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسكونها جزما، فى نحو: لم يخف ولم يقل ولم يبع، وسكونها وقفا، فى نحو: خف وقل وبع.

لمّا اجتمع الساكنان الألف والفاء، فى لم يخاف، والواو واللام فى لم يقول، والياء والعين فى لم يبيع، وجب حذف أحدهما، فكان حرف العلّة أولى بالحذف من وجهين، أحدهما: ضعفه وقوّة الحرف الصحيح، والثانى: أنه إذا حذف دلّت عليه الحركة التى تجانسه.

وأصل المثال الأمرىّ من هذا النحو: أخوف وأقول وابيع، كقولك فى موازيه من الصحيح: اركب، أقتل، اضرب، فنقلت حركة حرف العلة إلى الفاء، فاستغنى عن همزة الوصل بتحريك الفاء، فحذفت فصار حينئذ إلى: خوف وقول وبيع، فحذف حرف العلّة، لما ذكرناه من التقاء الساكنين.

ومما حذفت منه الواو، لوقوعها بين ياء وكسرة: يفعل، المبنىّ ممّا فاؤه واو، كالوعد والوزن، قالوا: يعد ويزن، استثقالا ليوعد ويوزن، هذه علّة حذف الواو من هذا النحو، فإن زالت الكسرة ثبتت الواو، كقولهم فى مضارع وجل ووحل ووسن: يوجل ويوحل ويوسن، ولمّا حذفوا الواو من يفعل، حملوا عليه أفعل ونفعل وتفعل، فقالوا: أعد ونعد وتعد، كراهة أن يختلف الباب، وحملوا عليه أيضا مصدره (١) الذى جاء على فعلة، فأعلّوه بحذف فائه، ونقل كسرتها إلى عينه، فقالوا:

عدة وزنة، وإنما أعلّوه، لانكسار فائه مع اعتلال فعله، ألا ترى أن المصادر تتبع الأفعال، فى صحّتها واعتلالها، وذلك كاعتلال الصّيام والقيام/لاعتلال صام وقام، وصحّة الجوار واللّواذ، فى نحو: {يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً} (٢) لصحّة جاور ولاوذ،


(١) أعاد ابن الشجرى الكلام على هذا المبحث فى المجلس السادس والأربعين، وبيانه فى المقتضب ١/ ٨٨، وقد جمع محققه العلاّمة، رحمه الله، قدرا صالحا من المراجع التى عالجت هذا الموضوع، فالإحالة على ما ذكر الشيخ الجليل مما توجبه أمانة العلم. وقد رأيت كثيرا من أهل زماننا يسطون على جهود غيرهم، وينسبونها إلى أنفسهم بغيا وعدوا، وهى آفة نعوذ بالله من شرّها.
(٢) سورة النور ٦٣.