للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقاعدة الأصولية هي "حمل المطلق على المقيد"، فيكون الذي لم يُرِد الخيلاء غير داخل في الوعيد، الذي يقتضي تحريم الإسبال، ولذا قال الإمام النووي في "شرح مسلم" ما يأتي:

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسبل إزاره" فمعناه: المرخي له، الجارّ له خيلاء، وهذا يخصص عموم المسبل إزاره، ويدل على أنَّ المراد بالوعيد: من جره خيلاء، وقد رخَّص النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: "لستَ منهم"؛ إذ كان جره لغير الخيلاء.

وظواهر الأحاديث في تقييده بالجر خيلاء -تدل على أنَّ التحريم مخصوص بالخيلاء، وهكذا نص الشافعي على هذا الفرق كما ذكرنا.

وأما القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف القميص والإزار-: فنصف الساقين، والجائز بلا كراهة إلى الكعبين، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم، وإلاَّ فمنع تنزيه.

وأما الأحاديث المطلقة: بأنَّ ما تحت الكعبين ففي النار، فالمراد بها: ما كان للخيلاء، لأَنَّه مطلق فوجب حمله عى المقيد. اهـ كلام النووي، والله أعلم.

وبعضهم: لا يرون حمل مطلق أحاديث الإسبال على مقيدها، وإنما جعلوا هذا من باب اختلاف السبب والحكم في الدليلين، وإذن فلا يُحْمل أحدهما على الآخرة؛ ذلك أنَّ الوعيد فيمن جرَّ ثوبه خيلاء، هو أنَّ الله لا ينظر إليه، نظرَ رحمةٍ وعطفٍ.

وأما الوعيد فيمن أنزل ثوبه عن كعبيه أنَّ النار لهما وحدهما، فالعقوبة الأولى عامة، والعقوبة الثانية جزئية، وكذلك السبب مختلف فيهما، فأحدهما: جر إزاره خيلاء، والثانى: أنزله إلى أسفل من كعبه بلا خيلاء.

وهذا القول أحوط، وأما القول الأول فهو أصح من حيث الدليل، وأجود من حيث التأصيل، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>