للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطلاق".

فإذًا الحب والبغض مطلَقٌ في الذوات والصفات والأفعال.

المسألة الثالثة: لا تكليفَ بما فيه حرج:

الشَّارع لم يقصدْ إلى التكليفِ بالمقدور عليه الشَّاقِّ الذي خرَجَ عمَّا جَرَتْ به العاداتُ قبل التكليف؛ والدليلُ على ذلك أمور:

أحدها: النصوصُ؛ قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثت بالحنيفية السمحة".

الثاني: ما ثبت من مشروعيَّة الرخص؛ كرُخَصِ القصر، والفِطْرِ، وتناوُلِ المحرمات في الاضطرار؛ فإنَّ هذا يدل قطعًا على مطلق رَفْعِ الحرجِ والمشقَّة.

وكذلك ما جاء من النَّهي عن التعمُّق والتكلُّف في الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشَّارع قاصدًا للمشقَّة في التكليف، لَمَا كان ثَمَّ ترخيصٌ ولا تخفيف.

الثالث: الإجماعُ على عدم وقوعِهِ في التكاليف، وهو يَدُلُّ على عدم قصد الشَّارع إليه، ولو كان واقعًا، لحصل في الشريعة التناقُضُ والاختلافُ؛ وذلك منفيٌّ عنها.

لكن ليس معنى هذا نفي المشقَّة عن التكليف؛ فإنَّه لا نزاع في أنَّ الشَّارع قاصد للتكليف بما يلزم فيه مشقَّةٌ ما، ولكن لا تسمَّى في العادة المستمرَّةِ مشقَّةً، كما لا يُسمَّى مشقَّةً طلبُ المعاشِ بالتحرُّف؛ لأنَّه مُمكن معتاد، وأربابُ العادات يعدُّون المنقطعَ عنه كسلان.

وإلى هذا المعنى يرجع الفرقُ بين المشقَّةِ التي لا تُعَدُّ مشقَّةً عادةً والتي تعد مشقَّة، وهو: إنْ كان العمل يؤدِّي الدوامُ عليه إلى الانقطاع عنه، أو عن بعضه، أو إلى وقوعِ خَلَلٍ في صاحبه في نفسه أو ماله أو حَالٍ من أحواله-:

<<  <  ج: ص:  >  >>