للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما هذه مزرعةٌ لدارٍ أخرى، وأنَّ السعادةَ الأبديَّة أو الشقاوة الأبديَّة هناك؛ لكنَّها تُكْتَسَبُ أسبابها هنا بالرجوع إلى ما حدَّه الشَّارعُ أو بالخروجِ عنه، فيأخُذُ المكلَّفُ في استعمالِ الأمورِ الموصِّلة إلى تلك الأغراض.

المسألة الثالثة: العملُ إذا وَقَعَ على وَفْقِ المقاصد الشرعيَّة:

فإمَّا أنْ يكون على المقاصد الأصلية أو المقاصد التَّابعة:

فإذا وقع على مقتضى المقاصد الأصلية بحيث راعاها، فلا إشكال في صحته وسلامته؛ ذلك أنَّ المقصود الشرعي من التشريع إخراج المكلَّف عن داعية هواه حتَّى يكون عبدًا لله، ويبنى عليه قواعد:

من ذلك: أنَّ المقاصد الأصلية إذا رُوعِيَتْ، كان العبد أقرب إلى إخلاص العمل وصيروررتهِ عبادةً، وأبعد عن مشاركة الحظوظ التي تغيِّر في وجه محض العبودية.

المسألة الرابعة: الإنسان قد يدع حظَّ نفسه في أمر إلى حظ ما هو أعلى منه:

كما ترى النَّاس يبذلون المال في طلب الجاه؛ لأنَّ حظَّ النَّفس في الجاه أعلى، ويبذلون النفوس في طلب الرئاسة حتَّى يموتوا في طريق ذلك، وهكذا الرهبان قد يتركون لذَّات الدنيا للذَّة الرئاسة والتعظيم فإنَّها أعلى، وحظُّ الذِّكْرِ والتعظيم والرئاسة والاحترام والجاه: أعظم الحظوظ التي يستحقر متاع الدنيا في جنبها عندهم.

المسألة الخامسة: الرهبان ومن أشبههم ينقطعون في الصوامع والديارات، ويتركون الشهوات واللذات، ويسقطون حقوقهم؛ في التوجُّه إلى معبودهم، وَيَعْمَلون في ذلك غايةَ ما يمكنهم من وجوه التقرُّب إلى معبودهم، وما يظنُّون أنَّه سببٌ إليه، إلاَّ أنَّ كلَّ ما يعملون مردودٌ عليهم لا ينفعهم الله بشيءٍ منه في الآخرة؛ لأنَّهم بنوا على غير أصل كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>