للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشريع، والدليل على ذلك ظاهرٌ من وضع الشريعة.

إذ قد مرَّ أنَّها موضوعة لمصالح العباد على الإطلاق والعموم، والمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك في أعماله، وأن لا يقصد خلاف ما قصده الشارع.

ولأنَّ المكلف خُلِقَ لعبادة الله، وذلك راجع إلى العمل على وفق القصد في وضع الشريعة، وهذا محصول العبادة؛ فينال بذلك الجزاء في الدنيا والآخرة.

وأيضًا: فإن قصد الشَّارع المحافظة على الضروريات وما رجع إليها من الحاجيات والتحسينيَّات، وهو علة ما كلف به العبد، فلابد أن يكون مطلوبًّا بالقصد إلا ذلك، وإلاَّ لم يكن عاملاً على المحافظة؛ لأنَّ الأعمال بالنيات.

[من قصد من العمل غير ما قصده الشارع بطل عمله وأهدر ثوابه]

كل من ابتغى في تكليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها، فعمله في المناقضة باطل؛ فإنَّ المشروعات إنما وضعت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد، فإذا خولفت، لم تكن في تلك الأفعال التي خولف بها جلب مصلحة ولا درء مفسدة.

أما من ابتغى في الشريعة ما لم توضع له، فهو مناقض لها.

والدليل عليه من أوجه:

أحدها: أنَّ الأفعال والتروك متماثلة عقلاً بالنسبة إلى ما يقصد بها؛ إذ لا تحسين للعقل ولا تقبيح، فإذا جاء الشارع بتعيين أحد المتماثلين للمصلحة وتعيين الآخر للمفسدة، فقد بيَّن الوَجْهَ الذي منه تحصُلُ المصلحة؛ فأمر به أو أذن فيه، وبيَّن الوجه الذي تحصل به المفسدة فنهى عنه رحمة بالعباد، فإذا قصد المكلَّف عين ما قصده الشارع، فقد قصد وجه المصلحة على أتم وجهه؛ فهو جدير بأن تحصل له، وإن قصد غير ما قصده الشارع، وذلك إنما يكون في الغالب لتوهُّم أن المصلحة فيما قصدة لأنَّ العاقل لا يقصد وجه المفسدة

<<  <  ج: ص:  >  >>