النوع الثالث: في بيان قصد الشَّارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة:
ويشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: المقصدُ الشرعيُّ من وضع الشريعة إخراجُ المكلَّف من داعية هواه؛ حتَّى يكونَ عبدًا لله اختيارًا، كما هو عَبْدٌ لله اضطرارًا، ومن أدلَّة ذلك:
الأول: النَّصُّ الصَّريح على أنَّ العباد خُلِقُوا للتعبُّدِ لله، والدخولِ تحت أمر الله تعالى ونهيه؛ قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]،،، إلى غيرها من الآيات الآمرة بالعبادة في عمومها وتفاصيلها، فكله راجعٌ إلى طاعة الله في جميعِ الأحوالِ، والانقيادِ إلى أحكامه على كلِّ حالٍ، وهو معنى التعبد.
الثاني: ما دلَّ على ذمِّ مخالفة هذا القصد مِنَ النَّهْي عن مخالفة أمر الله، وذَمِّ من أعرَضَ عن شرع الله، وإيعاده بالعذاب العاجل والآجل.
الثالث: من علم التجارب والعادات مِنْ أنَّ المصالحَ الدينيَّة والدنيوية لا تحصُلُ مع الاسترسال في اتباع الهَوَى، والمَشْيِ مع الأغراضِ، وهذا معروفٌ؛ ولذا اتفقوا على ذمِّ من اتبع شهواته، وما اتفقوا عليه إلاَّ لصحَّته عندهم.
وإذًا: فلا يصح لأحدٍ أنْ يدَّعي على الشريعة أنَّها وُضِعَتْ على مقتضى تشهِّي العباد وأغراضهم.
وإذا علمنا أنَّ وَضْعَ الشريعة إنَّما جاء لمصالح العباد، فهي عائدةٌ عليهم بحَسَبِ أمرِ الشارع، وعلى حَدِّه الذي حَدَّه، لا على مقتضى أهوائهم وشهواتهم؛ ولذا كانت التكاليف الشرعية ثقيلةً على النفوس.
وإذا تقرَّر هذا، انبنى عليه قواعد:
الأولى: أنَّ كلَّ عملٍ كان المتَّبَعُ فيه الهوَى مين غير التفاتٍ إلى الأمر أو النَّهي أو التخيير، فهو باطل؛ لأنَّه لابدَّ للعمل مِنْ حاملٍ يَحْمِلُ عليه، وداعٍ