وإنْ لم يكن فيها شيءٌ من ذلك في الغالب، فلا يعد في العادة مشقَّة، وَإنْ سميت كُلْفَةً، فأحوالُ الإنسان كلُّها كلفةٌ في هذه الدَّار.
إذا تقرَّر هذا، فإنَّ التكليفَ الشاقَّ المعتاد على العباد ليس مقصودُ الشارعِ به المشقَّةَ على عباده، وإنَّما قصَدَ به المصالح العائدةَ عليهم.
وإذا لم تكنِ المشقَّةُ مقصودةَ الشَّارع في الأعمال المعتادة، فأولى أنْ لا تكونَ مقصودةً منه في غير المعتادة.
[المسألة الرابعة: الحكمة من نفي الحرج في التكليف]
الحرَجُ مرفوعٌ عن المكلَّف لوجهين:
أحدهما: الخوفُ من الانقطاعِ من الطريقِ وبُغْضِ العبادة.
الثاني: خوفُ التقصيرِ عند مزاحمةِ الوظائفِ المتعلِّقةِ بالعَبْدِ المختلفةِ الأنواع؛ مثل قيامه على أهله وولده إلى تكاليف أُخَر.
فالأول: حفظ به على الخلق قلوبهم، وحبَّب إليهم تلك التكاليف، فلو عملوا على غير السهولة، لدخل عليهم فيما كلِّفوا به ما لا تخلص به أعمالهم.
الثاني: أنَّ المكلَّف مطالَبٌ بأعمالٍ ووظائف شرعيَّةٍ لا بدَّ له منها، فإذا أوغَلَ في عملٍ شاقٍّ فربَّما قطعه عن غيره، ولا سيَّما حقوقُ الغير التي تتعلَّق به، فيكونُ بذلك ملومًا غير معذور؛ إذ المرادُ منه القيامُ بجميعها على وجهٍ لا يخل بواحدٍ منها، وهذا في العمل الشاقِّ المأذونِ فيه، فأمّا إنْ كان غيرَ مأذون فيه، فهو أظهر في المنع.
المسألة الخامسة: مخالفةُ ما تهوى النَّفْسُ شاقٌّ عليها وَصَعْبٌ خروجُهَا منه، وكفى ذلك شاهدًا عليه حَالُ المشركين وأهل الكتاب ممَّن صمَّموا على بقاءِ ما هم عليه، حتَّى رَضُوا بهلاكِ نفوسِهِمْ وَأَحوالِهِمْ، ولم يَرْضَوْا بمخالفة الهوى.
والشَّارع قصد بوضع الشريعة إخراجَ المكلَّفِ من اتِّباعِ هواه حتَّى يكون