للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العادات إذا كانت مصلحتها تعبُّدية، جازت فيها النيابة:

المطلوب الشرعي ضربان:

أحدهما: ما كان مِنْ قبيل العادات الجارية بين الخلق في الاكتساب وسائر المعاملات الدنيويَّة، التي هي طرقُ الحظوظِ العاجلة؛ كالعقود على اختلافها، والتصاريف المالية على تنوُّعها-: فهذه النيابة فيها صحيحةٌ؛ فيجوز أنْ ينوب عن غيره منابَهُ في استجلاب المصالح له، ودرء المفاسد عنه، بالإعانة، والوكالة ونحو ذلك، ممَّا هو في معناه؛ لأنَّ الحِكْمَةَ التي يطلب بها المكلَّف في ذلك كلِّه صالحةٌ أنْ يأتي بها سواه، كالبيع، والشراء، والأخذ، والإعطاء، ما لم يكن مشروعًا لحكمةٍ لا تتعدَّى المكلَّفَ عادةً أو شرعًا؛ كالأكل، واللبس، وغير ذلك ممَّا جرت به العادة، وكالنكاح وأحكامه التَّابعة له مِنْ وجوه الاستمتاع التي لا تصحُّ النيابة فيه شرعًا؛ فإنَّ هذا مفروغٌ من النظر فيه؛ لأنَّ حكمته لا تتعدَّى صاحبها إلى غيره.

الحاصل: أنَّ حكمة العادات إنِ اختصَّتْ بالمكلَّف، فلا نيابة؛ وإلاَّ صحَّت النيابة.

الثاني: التعبُّدات الشرعية؛ فلا يقوم فيها أحدٌ عن أحد، ولا يغني فيها عن المكلَّف غيرُهُ، وعمل العامل لا يجزى بها غيره، ولا ينتقل بالقصد إليه.

والدليل على صحَّة هذه الدعوى أمور:

أحدها: النصوص؛ قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨]، وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النجم: ٣٩]، وقال تعالى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: ١٨].

الثاني: المعنى، وهو أنَّ مقصودَ العبادات الخضوعُ لله، والتوجُّهُ إليه والانقياد تحت حكمه؛ حتَّى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضرًا مع الله، ومراقبًا له غير غافلٍ عنه. والنيابة تنافي هذا المقصود.

<<  <  ج: ص:  >  >>