الثالث: أنَّه لو صحَّت النيابةُ في العبادات البدنية، لصحَّت في الأعمال القلبية؛ كالإيمان وغيره من الصبر، والشكر، والرضا، والتوكل، والخوف، والرجاء، وما أشبه ذلك، ولم تكن التكاليف محتومةً على المكلّف عينًا؛ لجواز النيابة.
وما تقدَّم من الآيات كلُّها عموماتٌ نزلَتِ احتجاجًا على الكفَّار، وردًّا عليهم في اعتقادهم حَمْلَ بعضِهِمْ وِزْرَ بعض.
خير العمل ما وُوظِبَ عليه:
مِنْ مقصود الشَّارع في الأعمال: دوامُ المكلَّف عليها؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣)} [المعارج: ٢٣]. وفي الحديث:"أحبُّ العمل إلى الله ما داوَمَ عليه صاحبُهُ وإنْ قَلَّ".
فالمكلَّف إذا أراد الدخول في عملٍ غير واجب، فمن حقه أنْ لا ينظر إلى سهولة الدخول فيه ابتداءً حتَّى ينظر في مآله فيه؛ فإنَّ المشقَّة التي تدخل على المكلَّف من وجهين:
أحدهما: من جهَّة شدَّة التكليف نفسه، بكثرته، أو ثقل في نفسه.
الثاني: من جهة المداومة عليه، وإنْ كان في نفسه خفيفًا.
الشريعة عامَّة ما لم يقم دليل الخصوصية:
الشريعةُ بحسب المكلَّفين كليَّةٌ عامَّة، فلا يختصُّ بالخطاب بحكمٍ من أحكامها الكليَّة بعضٌ دون بعضٍ؛ والدليلُ على ذلك أمور:
أحدها: النَّصوص؛ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}[سبأ: ٢٨]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثت إلى الأحمر والأسود"، وأشباه هذين النَّصَّين مما يدل على أن البِعْثَةَ عامَّة لا خاصَّة.
الثانى: أنَّ الأحكامَ إذا كانَتْ موضوعةً لمصالح العباد، فَهُمْ بالنسبة إلى ما تقتضيه مِنَ المصالح سواءٌ، فلو وضعت على الخصوص، لم تكن موضوعة