إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فقد ذكرنا -في "المقدمة الأولى" من مقدمات هذا الشرح -بيانَ أهمية "بلوغ المرام"، وعظم قدره، وجليل فائدته، والميزات الطيبة التي انفرد بها عن الكتب المصنفة في بابه، مما دعا العلماء إلى العنايةِ به، والإقبالِ عليه، والاستفادةِ منه، واختيارِهِ على غيره في حلقات الدروس، وقاعات المعاهد والجامعات، حتى صار هو العمدة في الاستظهار والاستنباط والاستفادة، فتعدَّدت طباعته، وكثر تداوله، وكما قيل:"المورد العذب كثير الزحام".
كما ذكرت في تلك "المقدمة" صِلَتي بهذا الكتاب، وطول صحبتِي إيَّاه، فإنَّها ألفة قديمة، وعلاقة وثيقة، وصلة عريقة، تطلب مني الوفاء لماضيه، وخدمة قارئيه، والقيام بحق مؤلفه، وذلك بشرح يقرِّب معانيه، ويكشف عن مطاويه، ويستخرج درره ويجلو أصدافه ويبرز محاسنه، فحدَّثْتُ نفسي بأني -بعد أن توفَّرَتِ المصادر، وَكَثُرَتِ المراجع، وتيسَّرت الأمور- أستطيعُ أن أقدِّم لطلاب العلم شرحًا يلائم أذواقهم، ويشاكل مناهجهم، ويناسب ما يُلقى عليهم من دروس مادة الحديث، وزاد في إقدامي على شرح هذا الكتاب أمران:
أحدهما: ما لمسته من إقبال على شرحي على "العمدة" المسمى "تيسير العلَّام"، واختياره لتدريس مادة الحديث في كثير من دور العلم، وحلقات الدروس في المساجد، وإعجاب الكثير في جمعه وترتيبه وتنسيقه وتبويبه.
الثاني: أنَّ الشروح المتداولة لـ"بلوغ المرام" غير مرتَّبة ولا منسَّقة،