للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأول، إلاَّ أنَّه ربَّما فاته النظر إلى التعبد والقصد إليه في التعبد.

الثالث: أن يقصد مجرد الامتثال، فَهِمَ قصد المصلحة أو لم يفهم، فهذا أكمل وأسلم:

أما كونه أكمل: فإنه نصب نفسه عبدًا ممتثلًا ملبيًا؛ إذْ لم يعتبر إلاَّ مجرد

الأمر.

وأما كونه أسلم: فلأنَّ العامل بالامتثال عامل بمقتضى العبودية، فإن عرض له قصد غير الله، رده قصد التعبد، بخلاف ما إذا عمل على جلب المصالح، فإنه عد نفسه هنالك واسطةً بين العباد ومصالحهم، وإذا رأى نفسه واسطة، فربَّما دخله شيء من اعتقاد المشاركة.

وأيضًا: فإنَّ حظه -هنا- محمود، والعمل على الحظ طريق إلى دخول الدواخل، والعمل على إسقاطها طريق إلى البراءة منها.

[ليس لأحد أن يسقط حق الله في نفسه أو ماله أو عمله]

كل ما كان من حقوق الله، فلا خيرة فيها للمكلَّف، ولا يملك إسقاطها؛ وذلك كالطهارة والصلاة والزكاة ... إلخ.

وما يتعلق بذلك من الكفارات والمعاملات، والأكل والملبس، وغير ذلك من العبادات والعادات التي ثبت أنَّ فيها حقًّا لله تعالى، وكذلك الجنايات كلها على هذا الوزان جميعها لا يسقط حق الله فيها ألبتة، فلو طمع أحد أن يسقط الطهارة، بقي مطلوبًا بها حتى يقوم بها، ولو استحلَّ أكل ما حرَّمه الشارع، أو استحلال نكاح بلا ولي، أو استحلال الربا، أو بيعًا فاسدًا، أو إسقاط حد الزنى، أو الحرابة ونحوها، لم يصح شيء منه.

وإذا كان الحكم دائرًا بين حق الله وحق العبد، لم يصح للعبد إسقاط حقِّه إذا أدى إلى إسقاط حق الله؛ وذلك مثل أنَّ حق العبد ثابت له في حياة العبد وكمال جسمه وعقله وبقاء ماله في يده، فإذا أسقط ذلك بأن سلط يد الغير عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>