للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثاني: في بيان قصد الشَّارع في وضع الشريعة للتكليف بالمقدور وما لا حرج فيه، ويحتوي على مسائل:

المسألة الأولى: ثَبَتَ في الأصولِ أنَّ شَرْطَ التكليف أوسَبَبَهُ قدرةُ المكلَّف عليه، فما لا قدرةَ للمكلَّف عليه لا يصحُّ التكليفُ به شرعًا، وإنْ جاز عقلاً.

فالأوصاف التي طُبعَ عليها الإنسانُ؛ كالشَّهوة إلى الطَّعام أو الشَّراب، لا يطلب رفعها، فإنَّه من تكليف ما لا يُطاق.

المسألة الثانية: لا تكليفَ بما لا يطاق:

الأوصاف التي لا قدرةَ للإنسان على جَلْبِها ولا دفعها على قسمين:

أحدهما: ما كان نتيجةَ عمل؛ كالعلم، والحب.

الثاني: ما كان فطريًّا، ولم يكن نتيجة عمل؛ كالشجاعة، والجبن، والحلم.

فالأول: ظاهر أنَّ الجزاء يتعلق بها في الجملة من حيث كونُهَا مسبّبات مِنْ أسباب مكتسبة.

أما الثاني -وهو ما كان منها فطريًّا- فينظر فيه من جهتين:

إحداهما: أنَّها محبوبةٌ للشَّارع أو غيرُ محبوبة له.

الثانية: مِنْ وقوع الثواب عليها أو عَدَمِ وقوعه.

فالنظر الأوَّل: ظاهرُ الدليل النَّقليِّ أنَّ الحبَّ والبغض يتعلَّق بها.

والنظر الثاني: أنَّهما يصح تعلُّقهما بالذوات، وهي أبعدُ عن الأفعال من الصفات؛ كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ولا يسوغُ في هذا الموضع أن يقال: إنَّ المراد حبُّ الأفعال فقط، فكذلك لا يقال في الصفات إذا توجَّه الحبُّ إليها في الظاهر: إن المراد الأفعال.

وإذا ثبت هذا، فيصح -أيضًا- أن يتعلَّق الحب والبغض بالأفعال؛ كقوله تعالي: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨]، وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: ٤٦]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الحلال إلى الله

<<  <  ج: ص:  >  >>