إذا جاء نصٌّ شرعيٌّ بحكمٍ، ثم جاء بعده نص آخر يبطل العمل بحكم النص الأول -في كل ما يتناوله أو في بعضه- سمي النص الثاني: ناسخًا، والنص الأول منسوخًا، ويسمَّى إبطال ما بطل من حكم النص الأول: نسخًا.
والنصوص الشرعية التكليفية لم تأتِ دفعة واحدة، بل جاءت تدريجيًّا لتتهيأ نفوس المخاطبين لقبولها وتحمُّل تكاليفها، كما في نصوص الخمر، ونصوص القتال.
والنسخ جائزٌ عقلاً: فالأمر لله وحده، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}[الرعد: ٤١]؛ فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته، وحكمة الله تعالى تقتضي مصالح العباد، والمصالح تختلف حسب الزمان والمكان والحال.
أما جوازه شرعًا: فإنه موجودٌ في نصوص الكتاب والسنَّة؛ قال تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"[رواه مسلم وغيره].
[ما يمتنع نسخه]
كل النصوص الطلبية قابلة للنسخ إلاَّ قسمين:
الأول: ما نص على تأبيد؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة".
الثاني: كل نص لا يقبل حسنه أو قبحه السقوطَ؛ نحو قوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣]، و {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ}[الأعراف: ٣٣].
الأخبار: غير قابلة للنسخ؛ لأنَّ النسخ تكذيبٌ للخبر الأوّل، وهو محالٌ على الله ورسوله، ولأن النسخ محلُّه الحكم.
الأحكام: التي تكون صالحة في كل زمان ومكان من أصول الإيمان، وأصول العبادات، ومكارم الأخلاق، وأمثال ذلك مما هو واجب وحسن في كل مِلَّةٍ سماوية لم تُحَرَّف.