ذات ليلة، فجعلت أطلبه، فوقعت يدي على قدميه، وهما منصوبتان، وهو ساجد".
وممن ذهب إلى هذا القول: علقمة، وأبو عبيد، والنخعي، والحكم، والشعبي، وحماد، والثوري، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأصحابه.
أما الاستدلال بالآية على النقص فغير ورادٍ.
قال ابن رشد في "بداية المجتهد": سبب اختلافهم في هذه المسألةُ اشتراك اسم المس في كلام العرب، فإنَّ العرب تطلقه على اللمس باليد مرةً، وتكني به عن الجماع مرةً، كما في قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣].
وقد احتجَّ من أوجب الوضوء من اللمس باليد: بأنَّ اللمس حقيقةً يطلق على المس باليد، ويطلق على الجماع مجازًا، وأنَّه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز، فالأولى أن يُحمل على الحقيقة، حتى يدل دليلٌ على المجاز.
ولكن لأولئك أن يقولوا: إنَّ المجاز إذا كثر استعماله، كان أدل على المجاز منه على الحقيقة، كالحال في اسم الغائط، الذي هو أدل على الحدث -الذي هو المجاز- منه على المطمئن من الأرض، الذي هو فيه حقيقة، والذي أعتقده أنَّ اللمس وإن كان دلالته على المعنبين بالسواء، أو قريبًا من السواء، أنه أظهر عندي في الجماع، وإن كان مجازًا؛ لأنَّ الله تعالى قد كنى عن المباشرة، والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس. اهـ.
قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا الذي قاله ابن رشد تحقيق دقيق، وبحث واضح نفيس.
قلتُ: جاء في سنن أبي داود (١٥٣)، والترمذي (٧٩)، وابن ماجه (٤٩٥) من حديث عروة عن عائشة: "أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قبَّل امرأة من نسائه، وخرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ، وهو حديثٌ مشهورٌ، وبناءً عليه ذهب طائفةٌ من السلف والخلف إلى أنَّ القُبلة ونحوها -وإن كانت لشهوة- لا تنقض الوضوء.