إذا حفر الإنسان بئرًا فوصل إلى مائها، فلا يخلو من ثلاثة أمور:
الأول: أن تكون البئر محاطة من جميع جوانبها بأملاك الغير، فهذه ليس لها حريمٌ، ولا مرافقُ، وإنما كل واحدٍ ينتفع بما جرت به العادة.
الثاني: أن يريدها الحافر لسقي الماشية ونحو ذلك، فهذه إن كانت البئر قديمة ثم جذد حفرها، فحريمها خمسون ذراعًا من كل جانب من جوانبها، وإن كانت بدية محدثة، فحريمها خمسة وعشرون ذراعًا من كل جانب، وذلك بذراع اليد، وجعلت القديمة أكثر حرمًا؛ لأنَّ ماءها غالبًا أغزر، وحاجتها إلى الساحة أكثر، وذلك لما روى أبو عبيد في الأموال، عن سعيد بن المسيب، قال:"السُّنَّة في حريم القليب العادي خمسون ذراعًا"، وبعض العلماء جعل حريم البئر أربعين ذراعًا، كما في حديث الباب، وهذا الحريم هو معاطن للإبل، ومجرٌّ للبئر، ومرافقُ لها.
وقال القاضي وغيره: ليس هذا على طريق التحديد، بل حريمها في الحقيقة ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها، وهذا قول جيد.
الثالث: وإن كانت البئر تراد للزراعة، فقد جاء في سنن الدارقطني من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَال:"وَعين الزرع ستمائة ذراع" وهذا قول أكثر العلماء.
وقيل: قدر الحاجة، اختاره القاضي والموفق وغيرها.
قال مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:"الحافر لغير الشرب كمريد إحياء الأرض للفلاحة، فله ما حواليه مقدار الزرع؛ لأنَّه جاء ليزرع، فما كان حواليه فلا يعترضه أحد؛ لأنَّه سبق إليها، فيترك له ما جرت العادة به أن يزرع، وفَرْقٌ بين من حفر على الارتوازي، والذي على الحيوان". اهـ.
قُلتُ: وكلام المفتي -رحمه الله تعالى- هو عين الصواب، والله أعلم.