أحدهما: هبة مطلقة لا تقتضي عوضًا؛ لأنَّها عطيَّة على وجه التبرع، يقصد بها التودد، سواء كانت لمن دونه، أو أعلى منه، أو مثله، وهي الأصل.
الثاني: هبة يقصد بها ثواب الدنيا، فهذه حكمها حكم البيع، والغالب أنَّ المهدي يقصد بها أن يُعطى أكثر مما أهدى، وفيها نزل قوله تعالى: {لَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)} [المدثر] أي لا تعط شيئًا؛ لتأخذ أكثر منه.
٢ - النبي -صلى الله عليه وسلم- يثيب على الهدية بأكثر منها وأفضل، فقد روى ابن أبي شيبة عن عائشة:"أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يثيب عليها ما هو خير منها"، لما جُبِل عليه -صلى الله عليه وسلم- من مكارم الأخلاق وحسن المكافأة.
٣ - وفيه مشروعية قبول الهدية؛ لأنَّ في قبولها إرضاء للمهدي، وإفهامه بوجود المحبة والصلة، وفي ردها عليه كسر قلبه، وإضعاف نفسه، ويحمل الرد على محامل كثيرةٍ، وظنونٍ بعيدةٍ.
٤ - مشروعية الإثابة عليها بما يناسب الحال والمقام، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه".
٥ - وفيه أنَّ المهدي إذا قصد بهديته الثواب والعوض، فالأفضل أن يُعطى حتى يرضى؛ لأنَّه لم يقدم هديته إلاَّ رجاءً لأفضل منها، والغالب أنَّ المهدي فقير وصاحب حاجة، وأنَّ المهدى إليه في سعة وفي غنًى.
٦ - تمام الحديث:"لقد هممت أن لا أقبل إلاَّ من قرشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثقفيٍّ" وهو يشير بهذا إلى أهل المدن والحاضرة، فهم أطيب نفوسًا من البادية المصابين بداء الطمع، ففيه دليلٌ على استحباب القناعة، وأنَّ المهدي إذا أُعطي مقابل هديته أىَّ شيء عليه أن يقنع بذلك، ولا يجعل الهدية طريقًا إلى ابتزار أموال الناس.