العرب، وأنَّ بني هاشم أفضل قريش، وأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني هاشم.
وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرَّد كون النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم، بل هم في أنفسهم أفضل.
قال الكرماني: هذا مذهب أئمة أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها، فمن خالف هذا المذهب، أو عابه، فهو مبتدعٌ، خارجٌ عن الجماعة، زائلٌ عن منهج السنة وسبيل الحق، الذي عليه أحمد، وإسحاق، والحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم، فتعرف للعرب مقامها، وفضلها، وسابقتها، وحسْبهم حديث:"حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق" وهو حديثٌ ضعيف؛ لكنه في الفضائل.
وسبب هذا الفضل -والله أعلم- هو ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، وذلك أنَّ الفضل إما بالعلم النافع، وإمَّا بالعمل الصالح، والعرب أفهم من غيرهم، وأحفظ، وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتم لسانٍ، بيانًا وتمييزًا للمعاني.
وأمَّا العمل: فإنَّهم جُبِلوا على الأخلاق الكريمة، وهي الغرائز المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب إلى السخاء، والحلم والشجاعة، والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإِسلام قابلين للخير، معطَّلين عن فعله، ليس عندهم علمٌ منزَّل من السماء، ولا شريعةٌ موروثةٌ عن نبي، ولا هم أيضًا مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة، فلما بعث الله محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى، وتلقَّوه عنه، زال ذلك الرَّين عن قلوبهم، واستنارت بهداية الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدي العظيم بتلك الفطرة الجديدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم، فصار السابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وصار أفضل الناس بعدهم مَن تبعهم