وساوسه، فضرب له مثلًا مما يعرف ويألف؛ فقال: هل لك إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل يكون فيها من أورق، مخالف لألوانها؟ قال: إن فيها لَوُرِقًا. فقال: فمن أين أتاها ذلك اللون المخالف لألوانها؟ قال الرجل: عسى أن يكون جذبه عرق، وأصل من آبائه وأجداده، فقال: فابنك كذلك، عسى أن يكون في آبائك وأجدادك من هو أسود، فجذبه في لونه، فقنع الرجل بهذا القياس المستقيم، وزال ما في نفسه من خواطر.
٢ - أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، فلا يوجب العدة وبه قال الجمهور؛ كما أنه لا يعد غيبة إذا جاء مستفتيًا، ولم يقصد مجرد العيب والقدح.
٣ - أن الولد يلحق بأبويه، ولو خالف لونه لونهما.
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المخالفة في اللون بين الأب والابن بالبياض والسواد لا تبيح الانتفاء.
٤ - الاحتياط للأنساب، وأن مجرد الاحتمال والظن لا ينفي الولد من أبيه، فإن الولد للفراش، والشارع حريص على إلحاق الأنساب، ووصلها.
٥ - فيه ضرب الأمثال، وتشبيه المجهول بالمعلوم؛ ليكون أقرب إلى الفهم، وهذا الحديث من أدلة القياس في الشرع.
قال الخطابي: هو أصل في قياس الشبه، وقال ابن العربي: فيه دليلٌ على صحة الاعتبار بالنظير.
٦ - فيه حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكيف يخاطب الناس بما يعرفون ويفهمون؛ فهذا أعرابي يعرف الإبل وضرابها وأنسابها، أزال عنه هذه الخواطر بهذا المثل، الذي يدركه فهمه وعقله، فراح قانعًا مطمئنًّا.
فهذا من الحكمة التي قال الله تعالى عنها:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}[النحل: ١٢٥]، فكلٌّ يُخاطَب على قدر فهمه وعلمه.