وقال مالك والشَّافعي وأصحابهما: لا وضوء منه؛ واختاره الشيخ تقي الدِّين؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، ولا يصحُّ قياسه على الخارج من السبيل، وإِنَّما هو كالبُصاقِ والمُخَاط، والأصلُ بقاءُ الطهارة حتَّى يأتي ما يرفَعُ هذا الأصل، واختاره شيخُنَا عبد الرحمن السعدي، وتقدَّم الخلافُ في ذلك.
٤ - حديثُ عائشة السَّابقُ أنَّ الرُّعافَ والقيء والقَلَسَ ونحوها ممَّا يخرج من البدن من غير السبيلين: ناقضٌ للوضوء، ولكنَّ الحديثَ ضعيف، وعند الترجيح لا يعارِضُ هذا الحديث الذي معنا، لاسيَّما وهذا الحديثُ يقرِّر أصلًا هو أنَّ الأصل بقاء الطهارة.
٥ - الحجامة دواء؛ وقد جاء في صحيح البخاري (٥٦٨٠)، عن ابن عبَّاس عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"الشِّفَاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيَّة نار".
قال ابن القيم: إذا كان المرض حَارًّا، عالجناه بإخراج الدَّم بالفصد أو بالحجامة؛ لأنَّ في ذلك استفراغًا للمادة، وتبريدًا للمزاج، ففيه استحباب التداوي، واستحباب الحجامة، وأنَّها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال.
٦ - استحباب التداوي؛ ففي مسلم (٢٢٠٤) من حديث جابر أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لكلِّ داءٍ دواء، فإذا أصيب بدواء الدَّاء، بَرَأَ بإذْنِ الله عزَّ وجل".
وفي مسند الإِمَام أحمد (١٧٩٨٧)، عنَ أسامة بن شريك؛ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"يا عباد الله تداوَوْا، فإنَّ الله لم يضعْ داءً إلاَّ وضع له شفاءً".
قال ابن القيم -لما ذكر أحاديث التداوي-: فقد تضمَّنت هذه الأحاديث الأسبابَ والمسبَّبات، وإبطالَ قول مَنْ أنكرها، ففي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنَّه لا ينافي التوكل.
فكان هديه -صلى الله عليه وسلم- فِعْلَ التداوي في نفسه، والأمْرَ به لمن أصابه مَرَضٌ من أهله، أو أصحابه.