٦ - وأما الحديث رقم (١١٢٦): فيدل على جواز تنفيل السرية التي تقطع من الجيش، فتغير على العدو، وتغنم منه، فيعطى أفرادها زيادة على سهمانهم، تقديرًا لأعمالهم، وما قاموا به من بلاء في الجهاد على بقية الغزاة، لكن إن كانت غارة السرية في ابتداء سفر الغزو، والمجاهدين، فتعطى ربع ما غنمت، وإن كانت غارة السرية بعد عودة المجاهدين، فتعطى ثلث ما غنمت.
٧ - ووجه زيادة أفراد السرية في حالة القفول على حالة البدء، أنَّها في حالة القفول قد فقدت السند الذي تتقوى به، والجيش الذي تأوي إليه، والفئة التي تنحاز إليها، بخلاف حال البدء، فإنَّ الجيش يسندها، ويقويها، ويؤمها، كما أنَّ الغزو في حالة القفول في حال شوق ورغبة إلى أهله ووطنه، ومتشوف لسرعة الأوبة، لهذا -والله أعلم- استحقت السرية زيادة التنفيل في حالة الرجعة.
٨ - وفي الحديث ما يدل على أنَّه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يزيد عن الثلث في التنفيل.
٩ - وصفة التنفيل: أنَّ السرية التي تنهض في جملة العسكر، إذا أوقعت بالعدو، فما غنموا في البداءة، كان لهم فيه الربع، وما غنموا في القفول، كان لهم فيه الثلث، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة الأرباع، أو في الثلثين.
١٠ - أما الحديث رقم (١١٢٧): فيدل على أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ينفل كل من يبعثه من السرايا، بل إن التنفيل، أمر راجع إلى اجتهاد الأمير ورأيه، فإن رأى مصلحة في التنفيل وتزويد السرية على الجيش زادها، وإن رأى المصلحة في تَرْكِهِ تَرَكَهُ.
١١ - القاعدة أنَّ العبد إذا خيِّر بين شيئين فأكثر، فإن كان التخيير لمصلحته، فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير، فهو تخيير يلزمه فيه الاجتهاد، واختيار الأصلح، وتخيير الأمير هنا بين التنفيل، أو عدمه من النوع الأخير، الراجع إلى وجوب اختيار الأصلح.