لأنَّ حسن الخلق قد يُراد به التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله، التي أدَّب بها عباده في كتابه؛ كما قال تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم].
قالت عائشة:"كان خلقه القرآن" يعني: تأدَّب بآدابه، فيعمل بأوامره، ويتجنَّب نواهيه؛ فصار العمل بالقرآن له خلقًا، كالجبلة والطبيعة، لا يفارقه.
وهذا هو أحسن الأخلاق، وأشرفها، وأجملها، وقد قيل:"إنَّ الدِّين كله خلق".
وقال ابن دقيق العيد:"البر حسن الخلق": المراد بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والبذل والإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين الَّذين وصفهم الله تعالى، فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآيات [الأنفال: ٢]، وقوله:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}[التوبة: ١١٢]. وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)} الآيات [المؤمنون]، وقوله:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} الآيات [الفرقان: ٦٣].
فمن أشكل عليه حاله، فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميعها علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على عدم كمالها، فليشتغل بحفظ ما وجده، وتحصيل ما فقده.
ولا يظن ظانٌّ أنَّ حسن الخلق عبارة عن لين الجانب وترك الفواحش فقط، وأنَّ من فعل ذلك، فقد هذَّب خلقه، بل حسن الخلق ما ذكرناه من صفات المؤمنين، والتخلق بأخلاقهم، ومن حسن احتمال الأذى.
وقال الشيخ أحمد حجازي في شرح الأربعين:
البر: عبارة عمَّا اقتضاه الشرع وجوبًا وندبًا؛ فهو عبارة عن الإحسان، فيدخل فيه ثلاثة: طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل النَّدى، وأنْ يحب للنَّاسِ