للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضى من الأمم؛ فَأُعطيَ ليلة القدر.

الثاني: أنْ تحمل الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة للأجل المعلَّق المكتوب في اللوح المدفوع للمَلَك، مثلاً: كتب أنَّه إنْ أطاع فلان، فعمره كذا، وإلاَّ فعمره كذا، والله سبحانه وتعالى عالمٌ بالواقع منهما، والأجل المحتوم في الآية على ما في علم الله سبحانه وتعالى الَّذي لا تغير فيه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد].

فالحديث فيه ما أشارت إليه أوَّل الآية من الأجل المعلَّق، وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩] أشار به إلى العلم الإلهي الَّذي لا تغير فيه ألبتَّة، ويعبر عنه بالقضاء المحتوم، وعن الأوَّل بالقضاء المعلَّق.

والوجه الأوَّل أليق بلفظ حديث الباب، فإنَّ الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخَّر، حسن أنْ يحمل على الذِّكر الحسن بعد فَقْد المذكور.

وقال الطيبي: الأوَّل أظهر؛ وإليه يشير كلام صاحب الفائق.

٤ - وأرى أحسن من هذين القولين بأنَّ الله تعالى قدَّر الأسباب والمسببات، وأنَّ الله تعالى إذا قدَّر إطالة عمر الإنسان هيأ له من الأسباب الحسيَّة والمعنوية ما تكون سببًا لطول عمره، والنَّسْءِ في أجله.

٥ - وهذا ما ذهب إليه بعض المحقِّقين، ومنهم الشيخ عبد الرحمن السعدي؛ حيث قال عند شرح هذا الحديث: فيه حثٌّ على صلة الرحم، وبيان أنَّها كما هي موجبةٌ لرضا الله تعالى، فإنَّها موجبةٌ أيضًا للثواب العاجل بحصول أحب الأمور إلى العبد، وأنَّها سببٌ لبسط رزقه وتوسيعه، وسببٌ لطول العمر، وذلك على حقيقته، فإنَّه تعالى هو الخالق للأسباب والمسببات، وقد جعل الله لكلِّ مطلوبٍ سببًا، وطريقًا يُنال به، وهذا جارٍ على الأصل الكبير، وأنَّه من حكمته وحمده: جعل الجزاء من جنس العمل، فكما وَصَل

<<  <  ج: ص:  >  >>