للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإمَّا أنْ يكون كأنَّه مسافر غير مقيم ألبتَّة، بل هو ليله ونهاره، على إحدى هاتين الحالتين.

وقال الحسن البصري: المؤمن كالغريب لا يجزع من ذلها, ولا ينافس في عزِّها, له شأنٌ، وللنَّاس شأن.

٤ - جاء في بعض الروايات أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لابن عمر: "اعدد نفسك في الموتى، وإذا أصبحت نفسك، فلا تحدِّثها بالمساء، وإذا أمسيت، فلا تُحَدِّثها بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن شبابك لهرمك، ومن فراغك لشغلك، ومن غناك لفقرك، ومن حياتك لوفاتك".

٥ - قوله: وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" هذا من كلام ابن عمر -رضي الله عنه- مدرجٌ في الحديث، ومعناه: أنَّ الشَّخص يجعل الموت بين عينيه، فيُسارع إلى الطاعات، ويغتنم الأوقات، بالأعمال الصالحات، ويقصر الأمل فلا يركن إلى غرور الدنيا؛ فإنَّه كالغريب أو عابر السبيل، لا يدري متى يصل إلى وطنه مساءً أو صباحاً، والمسافة هي أيام العمر القصار.

قال ابن دقيق العيد: وأمَّا قول ابن عمر، فهو حضٌّ منه للمؤمن بأنْ يستعد أبدًا للموت، والاستعداد للموت يكون بالعمل الصَّالح.

وفيه حضٌّ على تقصير الأمل، بالأعمال، بل بادر بالعمل، وكذلك إذا أصبحت، فلا تحدِّث نفسك بالمساء؛ فتؤخِّر أعمال الصباح إلى الليل.

وقال ابن رجب: وأمَّا وصية ابن عمر، فهي متضمنةٌ لنهاية قصر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح لا ينتظر المساء، بل يَظُنّ أنَّ أجله يُدْرِكُهُ قبل ذلك، وبهذا فسِّر الزهد في الدنيا.

وقيل للإمام أحمد: أي شيء يُزَهِّدُ في الدنيا؟ فقال: قصر الأمل. وهكذا قال سفيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>