تارةً: يتركها الهامُّ لخوف من الله تعالى، فهذه يكتب له بها حسنة؛ لما في الحديث القدسي:"إنَّما تركها من جرِّائي".
وتارةً يتركها خوفًا من المخلوقين، أو مراءاةً لهم؛ فقد قيل: إنَّه يعاقب على تركها بهذه النية؛ لأَنَّ تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرَّم.
وإنْ سعى في حصول المعصية بما أمكنه، فلم يقدر عليها، فإنَّه يعاقب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا التقى المسلمان بسيفهما ... إلخ" [رواه البخاري (٣) ومسلم (٢٨٨٨)].
وأمَّا إن انفسخت نيَّة الهام بالمعصية، وفترت عزيمته من غير سبب منه، فهل يعاقب على ما هم به من المعصية أم لا؟ على قسمين:
أحدهما: أنْ يكون الهَمُّ بالمعصية خاطرًا خطر، ولم يساكن صاحبه، ولم يعقد قلبه عليه، فهذا معفوٌّ عنه.
الثاني: أنْ تقع النَّفس، ويدوم، ويساكن صاحبها، فهذا أيضًا نوعان:
الأوَّل: ما كان عملًا منْ أعمال القلوب؛ كالشكِّ في الوحدانية، أو النبوة، أو البعث، أو نحو ذلك من صور الكفر والنِّفاق، فهذا يعاقب عليه العبد، ويصير به كافرًا، أو منافقًا، ويلتحق بهذا سائر المعاصي المتعلِّقة بالقلوب.
الثاني: ما لم يكن من أعمال القلوب، بل من أعمال الجوارح؛ كالزنى، والسرقة، والقتل، ونحو ذلك، فالرَّاجح من أقوال العلماء: أنَّه يؤاخذ به؛ وهو قول أكثر الفقهاء والمحدِّثين من أصحابنا وغيرهم؛ واستدلوا بقوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة: ٢٣٥]؛ وحملوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله تجاوز لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفسها، ما لم تتكلَّم به أو تعمل" [رواه البخاري (٥٢٦٩) ومسلم (١٢٧)] على الخطرات، وغالبُ ما عقد العبد قلبه عليه، فهو من كسبه وعمله، فلا يعفى عنه.