ثانيهما: أنَّ الأمر بمعنى الخبر، والمعنى: أنَّ من لم يستح، صنع ما شاء؛ فإنَّ المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء، انهمك في كل فحشاء ومنكر، وما يمنع من مثله من له حياء، على حد قوله:"من كَذَبَ عليَّ متعمدًا، فليتبوَّأ مقعده من النار" [رواه البخاري (١١٠)، ومسلم (٣)]؛ فإنَّ لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر.
٣ - ثم قال -رحمه الله تعالى- واعلم أنَّ الحياء نوعان:
أحدهما: خلق وجبلة، وهو من الأخلاق التي يمنحها الله للعبد ويجبله عليها.
الثاني: مكتسب من معرفة الله وعظمته، ومعرفة قربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان، وقد يتولد الحياء من مطالعة نعمه تعالى، ورؤية تقصيره في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء الغريزي والمكتسب، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح.
٥ - ثم قال -رحمه الله-: وأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله، أو حقوق عباده، فليس هو من الحياء، وإنما هو ضعف وخور، وعجز ومهانة.
٦ - القول الثاني: -في معنى قوله:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت":- أنَّه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر أمره، وأنَّ المعنى: إذا كان الذي يريد فعله عملًا لاَ يُسْتَحيا من فعله، لا من الله، ولا من الناس؛ لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق، والآداب المستحسنة -فاصنع منه حينئذٍ ما شئت؛ وهذا قول جماعة من الأئمة، منهم: الثوري، والشافعي، وحكي مثله عن الإمام أحمد.