وبلغ الغلو مبلغاً: أن حرم بعضهم الاستفادة من العلماء الذين وقعوا في بعض البدع والأخطاء، وحرقوا كتبهم، بل بدّعوا من استغفر لهم.
وذهب غلاة آخرون، إلى تحريم الاستعانة بالوسائل العصرية، في الدعوة والحياة الدنيوية، وإن كان ذلك دون مخالفة شرعية، وعدّوا ذلك من الابتداع والضلال.
وقابلهم آخرون، بالتساهل في الدين، بل بالتقصير والمداهنة لعوام المسلمين، وأتوا بعلوم غريبة، وفتاوى عجيبة، فأباحوا ما حرم الله في الكتاب والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، فأباحوا الربا، والدخول في جيوش الكفار، والإقامة بين أظهرهم دون اضطرار، وقالوا: إن اليهود والنصارى إخواننا، وأباحوا الموسيقى والتصوير، وما شابه ذلك من الباطل والتزوير.
ونشأت فرقة في زماننا يمكن تسميتها ((فتنة التبديع والتخريب المبدّعة)) مبدؤها: تبديع الناس وتضليلهم، بل قذفهم وتخبيثهم، لوقوعهم -في ظنهم- في بدعة، أو فيما حكموا هم عليه بأنه بدعة، بل بدعوهم لأنهم لم يبدعوا من بدعوهم، وقد يكون الأمر كله من باب الاجتهاد، والخلاف المعتبر، وساروا على قاعدة أحدثوها، لم يسبقهم إليها أحد من الإنس والجن، ((من لم يبدّع المبتدع، فهو مبتدع، يجب هجره وفضحه و ... )) والمبتدع -عندهم- هو الذي يرونه هم أنه مبتدع، ولو خالفوا الأولين والآخرين.
ولا يفرقون بين بدعة وبدعة، ولا بين من وقع في بدعة وبين من كان في أصوله البدعة، أو يدعو إلى بدعة، يفرق ويفارق عليها، وبين من كان مخالفاً في بدعته الكتاب والسنة باتفاق، وبين من كان مجتهداً متأولاً، فبدّعوا من أهل العلم من لا يستحق ذلك، وغمزوا بهم، وأمروا بهجرهم، وهجر من لا يبدعهم وإلا هجروهم.
ومن تلك الفتن: التعلق بالحزبيات والجماعات على مختلف صورها، وتنوع مشاربها.
ومن ذلك: التعلق بالأعيان شيوخاً أو زعماء، وتقليدهم بأبشع صور التقليد، وإذا كان يمكن إعذار مقلدي المذاهب الأربعة لجهلهم، ولعلو مكانة الأئمة رحمهم الله، علماً وفضلاً، فقهاً وديناً، فإنك لا تجد لهؤلاء عذراً، إلا الجهل وقلة الفهم، والتنطع وسوء الخلق.