للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجة، وعندما يخاطب الله الناس، يخاطبهم بما يعقلون، وهو أعلم بعقولهم وأفهامهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [تبارك: (١٤)]. وقد خاطب القرآن قوماً يفهمون ما يخاطبون به، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: (٤)]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: (١١٥)].

وأما غير الرسل فمنهم من يقدر على إقامة الحجة، ومنهم من لا يقدر، وذلك لوجود قصور منهم عن علم الأنبياء وحكمتهم، وأسلوبهم من جهة، ولفقدان الناس -بعد طول أمد- فهم اللغة العربية على أصولها التي نزل بها القرآن، وضعف علوم الإسلام عند كثيرين.

- ولذلك لا يستطيع أحد بعد الأنبياء أن يقطع بإقامة الحجة على فرد معين، وإذا كان الإمام الشافعي مع ما آتاه الله من العلم والفقه والحكمة، لم يستطع أن يقيم الحجة على الإمام أحمد، بعدم كفر تارك الصلاة، ولا الإمام أحمد على ما آتاه الله من فضل في العلم والسنة، ما استطاع أن يقيم الحجة على الإمام الشافعي بكفر تارك الصلاة، أفيستطيع ناشئ لا يحسن العربية، أن يدعي أنه أقام الحجة على فرد، أو أفراد، وإذا ادعينا أن الإمامين الشافعي أو أحمد قد أقام أحدهما الحجة على صاحبه، فقد اتهمنا أحد الإمامين بالهوى؛ لأن واحدًا منهما لم يستجب لصاحبه، ولم يترك رأيه، ومعاذ الله من ذلك، وعلى هذا:

فالحكم الأخير، والفصل القطعي في التيقن من قيام الحجة من عدمه، إنما هو من أمر الله وحده، وقضائه يوم القيامة، قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: (٤٠)] وقال تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: (٥٢)] لأن التيقن من قيام الحجة أمر غيبي، لا يطلع عليه إلا الله.

ولا يمنع هذا ذوي الشأن ممن ذكرنا، أن يحكموا بغلبة الظن، أو الظاهر، أو تصريح من المدعو، أو إقرار منه برد الحق، أو ما شابه ذلك.

والمقصود من هذا:

<<  <   >  >>