وأما قول ابن عباس - رضي الله عنه - الذي أشار إليه ابن عبد البر، فهو قوله:"خذوا العلم حيث وجدتم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم في بعض، فإنهم يتغايرون كتغاير التيوس في الزريبة".
وأما قول مالك بن دينار فهو:"يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض، فلهم أشد تحاسداً من التيوس".
ثم ضرب ابن عبد البر رحمه الله في كتابه أمثلة من قول بعضهم في بعض، من الأفضل الإعراض عنها، ولكننا نسوق بعضها باختصار للاعتبار، وليعقلها الأخيار، ويتقي شرها الأبرار -فكن منهم رعاك الله- لعل الله يطفئ بها الفتن.
فقد تكلم الإمام مالك في ابن إسحاق وكذَّبه، وقال:"هذا دجَّال من الدجاجلة" ولم يقبل العلماء قول مالك رغم إمامته، وقبلوا رواية ابن إسحاق ووثَّقوه، وقال ابن وهب، عن عبد الله بن زياد:"ثقة" وكان مالك يقول فيه: "كذَّاب" وردَّ العلماء قول مالك، ومثل هذا الاختلاف كثير جداً.
وتكلم في مالك جماعة من العلماء الأجلاء، منهم إبراهيم بن سعيد، وإبراهيم بن أبي يحيى، وكان يدعو عليه، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن إسحاق، وابن أبي الزناد، وغيرهم، وعابوا أشياء من مذهبه، حتى الإمام الشافعي تحامل عليه، وكذلك بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة؛ حسداً، حتى قال ابن أبي ذئب فيه -لمسألة خالف مالك فيها نصاً متأولاً- قال:"يستتاب مالك وإلا يقتل ... ".
ورغم أن جميع من تكلم فيه من أهل السنة، بل من علمائها وأئمتها، ومع ذلك لم يُصْغَ إلى أحد منهم، وعدُّوا ذلك من كلام الأقران.
وأطلق ابن معين لسانه في كثير من الأئمة، في الأوزاعي، والزهري، حتى طال لسانه في الإمام الشافعي، وغيرهم، قال ابن عبد البر:"وقد كان ابن معين -عفا الله عنه- يطلق في أعراض الثقات الأئمة لسانَهُ، بأشياءٍ أُنكرت عليه ... " وكل الذين تكلم فيهم، هم عند العلماء أعلم منه وأفقه.