فتقديم الضمير المنفصل في الآية ((هو)) دال على معان عظيمة، وله مغاز دقيقة، فمن ذلك: التفخيم والإشارة إلى ما سبق، والحصر، فهو الذي أرسل رسوله لا غيره، وهو إذن الذي يتولى أمره، وعليه وحده نصره.
وفي عُمق هذا التعبير، يتعلق أمل بل آمال مشرقة، ووراءه ستكون يوماً ما حقائق واقعية.
وتكمن وراء هذا الضمير ((هو)) أسماء الله الحسنى كلها، فـ ((هو)) بدلاً عن تسع وتسعين اسماً وصفة لله، فقوله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} أي: "القدير" هو الذي أرسله، فهو قادر على نصره، ولو فعل الأعداء ما فعلوا، ولو كادوا ما كادوا، و"العليم" هو الذي أرسله فهو يعلم كيف ينصره، ومتى ينصره، و"الخبير" هو الذي أخبر عن نصره بعلم وصدق، و"العزيز" هو الذي أرسله فلا غالب له، و"الحكيم" هو الذي أرسله فيختار الوقت المناسب لنصره، والمكان المختار لإعلاء كلمته.
وذكر فعل الإظهار في قوله تعالى:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} لأن "الإظهار" أعم من الانتصار، ولأن في الإظهار معنىً زائداً على "الانتصار، وهو: الهيمنة والقيادة، والقهر والسيطرة، وقوله تعالى:{الدِّينِ كُلِّهِ} يعني: أن الله سيظهره على الأديان والمذاهب والأنظمة جميعها دون استثناء، فإن لفظة الدين أعم من أي لفظة أخرى ترادفها، كالمذهب والمبدأ، والمنهج والحزب، وقوله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (٨)]. فيه إشارة إلى أن الله يعلم بما سيقوم به الأعداء من محاولات شتى، وأساليب متنوعة، لإطفاء نور الله، وأنى لهم ذلك، وقد سمى الله دينه نوراً، وأضافه لنفسه تشريفاً وتعظيماً، حفظاً ونصراً، ولإشعار المتأمل، أن النور لا يمكن إطفاؤه أبداً؛ ذلك لأن النور لا يطفأ إلا من مصدره الأساس الذي ينبعث منه، كالبشر الذين يريدون إطفاء نور الشمس، ولما كان مصدر النور من الله، فأنى لهم أن يصلوا إليه فيطفئوه، ثم أنى لهم.
وقوله سبحانه:{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (٨)]. فيه تأكيد لما سبق في معنى الإظهار الكلي على الأديان كلها، إذ سوف يتم الله إظهاره، ويكمل استعلاءه،