للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٧٦٩ - حدثنا محمد (١) بن عبد الله بن ميمون السُّكَّرِي (٢)، الاِسْكَنْدَراني (٣)، وأحمد بن محمد بن عثمان الثَّقَفِي (٤)، قالا: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أَبو عمرو الأوزاعي (٥)، ح

⦗٢٤⦘ وحدثنا عَمَّارُ بن رَجَاء (٦)، قال: ثنا عبد الصَّمَد (٧)، قال: ثنا أبان (٨)، قالا جميعًا: عن يحيى بن أبي كثير (٩) عن هِلال بن أبي مَيْمُونةَ (١٠)،

⦗٢٥⦘ عن عطاء بن يَسار (١١)، عن معاوية بن الحكم السُّلَمِي (١٢)، قال (١٣): "قلتُ: يا رسولَ الله، إنا كنّا حديثَ عهْدٍ بجاهلية، فجاءنا الله بالإسلام، وإنَّ رجالًا منّا يَتَطيَّرون (١٤)؟ قال: "ذلك شيءٌ يجدونه في صدورهم" (١٥) قلنا:

⦗٢٦⦘ ورجالًا منّا يأتون الكَهَنَةَ؟ (١٦)، قال: "فلا تأتوهم قلت: ورجالًا منَّا يَخُطُّون (١٧)، قال: "قد كان نبيٌّ من الأنبياء يخُطُّ، فمَنْ وافَقَ خطَّه فذاك" (١٨)، قال: وبَيْنَا أنا مع النبيِّ في صلاة، إذ عَطَسَ رجلٌ من

⦗٢٧⦘ القوم، فقلتُ: يرحمكَ الله، قال (١٩): فحَدَّقنِي (٢٠) القوم بأبصارهم، قال: فقلتُ: واثُكْلَ (٢١) أمِّيَاه! (٢٢) ما لكم تنظرون إلي؟! قال: فضرب (٢٣) القوم بأيْدِيْهِمْ على أفْخاذِهِم، فلَمَّا رأيتُهم يُسَكِّتُونِي (٢٤)! لكني سكتُّ فلما انصرف النبي من صلاته دعاني، فَبِأَبِي وأمِّي هو،

⦗٢٨⦘ ما رأيت مُعلِّمًا (٢٥) قبله ولا بعده أحْسَنَ تعليمًا منه، والله ما ضربني ولا كهَرني (٢٦)، ولا سبَّني، ولكن قال لي: "إنّ صلَاتنا هذه لا يصلُحُ فيها شيء من كلامِ الناس، وإنما هي التسبيحُ والتكبيرُ وتلاوةُ القرآن". قال: واطَّلَعْتُ غُنَيْمَةً لي ترعاها جاريةٌ لي قِبَل أُحُدٍ (٢٧) والجَوُّانِيَّة (٢٨)، فوجدتُ الذئبَ قد ذهب منها بشاةٍ، وأنا رجل من بني آدمَ، آسفُ كما يأسفون، وأغْضَبُ كما يَغْضبون، فصَكَكْتُها (٢٩) صكَّةً، فأخبَرْتُ بذلك رسولَ الله فعظَّم ذلك عليَّ، قلت (٣٠): يا رسول الله، لو أعلم أنَّها مؤمنةٌ لأعتَقْتُها، قال: "ائتني بها" فجئتُ (٣١) بها، فقال لها: "أين

⦗٢٩⦘ الله؟ " قالت: في السماء، قال: "فمن أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال: "إنها مؤمنة فأَعتِقْها"، فأعتقتُها" (٣٢) (٣٣).


(١) أَبو بكر السّكَّرِي، بغدادي الأصل، سكن الإسْكَنْدريّة فنُسب إليها.
(٢) السُّكَّري -بضم السين المهملة وفتح الكاف المشددة، وفي آخرها الراء- نسبة إلى بيع "السُّكَّر" وعمله وشرائه …
مؤتلف ابن القيسراني (ص ٧٩)، الأنساب (٣/ ٢٦٦)، اللباب (٢/ ١٢٣).
(٣) الإسكندراني -بكسر الألف، وسكون السين المهملة، وفتح الكاف، وسكون النون، وفتح الدال والراء المهملتين، نسبة إلى "الإسكندرية" وهي مدينة مشهورة في مصر، والمترجَم سكنها فنُسب إليها، وإلا فهو بغدادي الأصل.
انظر: الأنساب (٣/ ٢٦٦)، تهذيب الكمال (٢٥/ ٥٦٤).
(٤) هو المعروف بابن الغمطريق، أَبو عمرو الدمشقي.
(٥) هو عبد الرحمن بن عمرو بن أَبي عمرو الأوزاعي، إمام مشهور.
و"الأوزاعي": -بفتح الألف وسكون الواو- هذه النسبة إلى "الأوزاع" وهي قرية على باب دمشق من جهة باب الفراديس، وهو في الأصل اسم قبيلة من اليمن، سميت القرية باسمهم لسكناهم بها … وقيل غير ذلك. انظر: تقدمة الجرح والتعديل (ص ١٨٤ - ٢١٩)، مشاهير علماء الأمصار (١٤٢٥) (ص ٢١١)، الأنساب (١/ ٢٢٧)، معجم البلدان (١/ ٣٣٣)، اللباب (١/ ٩٢ - ٩٣)، السير (٧/ ١٠٧ - ١٣٤).
و"الأوزاعي" هذا هو ملتقى المصنِّف مع الإمام مسلم في هذا الطريق، رواه مسلم عن إسحاق ابن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، به، ولم يسق متنه.
الكتاب والباب المذكوران، (١/ ٣٨٢) برقم (٥٣٧ / … ).
(٦) (ابن رجاء) لم يذكر في (ل) و (م)، وهو أَبو ياسر التغلبي الإستراباذي، صاحب "المسند الكبير".
(٧) هو ابن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العَنْبَري مولاهم التنُّوري، أَبو سَهْل البصري، (٢٠٧ هـ) ع. وثقه ابن سعد، وابن نُمَيْر، والعجلي، والحاكم، وابن قانع، وزاد الأخير: "يخطئ". وقال ابن المديني: "ثبت في شعبة". وقال أَبو حاتم: "صدوق صالح الحديث". تهذيب الكمال (١٨/ ١٠٢). وفي "الجرح" (٦/ ٥١): "سألت أبي عنه فقال: شيخ مجهول"، وعلق عليه محققه الشيخ المعلمي: "لعله هنا سقط، فإن عبد الصمد بن عبد الوارث مشهور معروف". وكلامه وجيه، فلو قيل هذا في المترجم لنُقِل عنه ولم يَنْقُل عنه ذلك معتبرٌ، بل المنقول عنه خلافه، كما سبق. وقال الذهبي: "حجة". وقال الحافظ: "صدوق ثبت في شعبة" وهو ثقة. انظر: طبقات ابن سعد (٧/ ٢١٩)، ثقات العجلي (١٠٠٣)، (ص ٣٠٣)، تهذيب الكمال (١٨/ ٩٩ - ١٠٢)، الكاشف (١/ ٦٥٣)، تهذيب التهذيب (٦/ ٢٩٢)، التقريب (ص ٣٥٦).
(٨) هو ابن يزيد العطَّار، أَبو يزيد البصري.
(٩) هنا ملتقى جميع الطرق، رواه مسلم عن أبي جعفر محمد بن الصبّاح، وأبي بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن حجّاج الصوّاف، عن يحيى بن أبي كثير، به، بنحوه. كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، (١/ ٣٨١ - ٣٨٢)، برقم (٥٣٧).
و"يحيى بن أَبي كثير" هو الطائي مولاهم أَبو نصر اليمامي.
(١٠) هو: هلال بن علي بن أسامة، ويقال: هلال بن أبي ميمونة، وهلال بن أبي هلال القرشي العامري المدني، مولى بني عامر ابن لؤى. "ثقة" (سنة بضع عشرة ومائة هـ)، =
⦗٢٥⦘ = ع. تهذيب الكمال (٣٠/ ٣٤٣ - ٣٤٥)، التقريب (ص ٥٧٦).
(١١) هو الهلالي، أَبو محمد المدني القاضُّ، مولى ميمونة زوج النبي "ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة"، (٩٤ هـ)، ع. تهذيب الكمال (٢٠/ ١٢٥ - ١٢٧)، التقريب (ص ٣٩٢).
(١٢) السُّلَمِي -بضم السين المهملة وفتح اللام- نسبة إلى "سُلَيْم" وهي قبيلة من العرب مشهورة يقال لها: "سليم بن منصور … " تفرقت في البلاد … الأنساب (٣/ ٢٧٨)، اللباب (٢/ ١٢٨ - ١٢٩).
(١٣) كلمة (قال) لا توجد في (ل) و (م).
(١٤) الطيرة -بكسر الطاء، وفتح الياء- على وزن: "العِنَبَة" [ومنهم من سكّن الياء، والمشهور الأول]، مصدر "تطيَّر طيرة"، و "التطير" التشاؤم، وأصْله: الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي، وكانوا يتطيرون بالسونح والبوارح، فيُنَفِّرون الظباءَ والطيورَ، فإن أخذتْ ذات اليمين تبركوا به ومضَوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذتْ ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها. فكانت تصدُّهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفَى الشرعُ ذلك، وأبطله، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضُرٍّ.
وأصل اشتقاقها من "الطير" إذ كان أكثر تطيُّرِهِم وعمَلِهِم به.
شرح النووي (١/ ٢١٨ - ٢١٩). وانظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (ص ٣٠٦)، المشارق (١/ ٣٢٤)، النهاية في غريب الحديث (٣/ ١٥٢)، شرح الأبِّي (٧/ ٤٢١).
(١٥) وفي الحديث رقم (١٧٧٠) الآتي زيادة "فلا يضرهم" وعند مسلم "فلا يصُدَّنَّهم" وفي رواية "فلا يصُدَّنكم". =
⦗٢٦⦘ = ومعناه: "أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عَتَب عليكم في ذلك فإنه غيرُ مكتَسَبٍ لكم فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدِرون عليه، وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف.
فنهاهم عن العمل بالطِّيَرَة والامتناع من تصرُّفاتهم بسببها …
والطيرة محمولة على العمل بها، لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه". شرح النووي (٥/ ٢٢ - ٢٣).
(١٦) جمع "كاهن" وهو: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدَّعى معرفة الأسرار. والفرق بينه وبين "العرَّاف" أن الثاني يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، والحديث يشمل الكل. انظر: المجموع المغيث (٣/ ٩٥)، النهاية (٤/ ٢١٤)، شرح النووي (٥/ ٢٢).
(١٧) قال القاضي عياض: قال ابن عباس: "الخطُّ علمٌ تركه الناس، وصورته أن يأتي ذو الحاجة إلى "الحازي [وهو الذي يَحْرِز الأشياء ويقدّرها بظنه، ويقال للمنجم: حازي، لأنه ينظر في النجوم وأحكامها بظنه] ومع الحازي غلام معه "مِيْلٌ" فيخط الأستاذ في أرض رَخْوة خطوطًا معجِّلًا لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحوها على مهل خطين خطين، فإن بقي خطان فهو علامة النَجاح، وإن بقي واحدة فهو علامة الخيبة، والعرب تسميه "الأسحم" وهو مشؤوم عندهم".
وانظر: شرح الأبي (٢/ ٤٣٦)، غريب الخطابي (١/ ٦٤٧).
(١٨) قال النووي: "اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه: من وافق خطَّه فهو =
⦗٢٧⦘ = مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح، والمقصود أنه حرام، لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها".
وراجع لمزيد الإيضاح: شرح النووي (٥/ ٢٣)، شرح الأبي (٢/ ٤٣٦ - ٤٣٧).
(١٩) (ق (ل) لا توجد في (ل) و (م).
(٢٠) في (م) "فحذفني"، ومعنى "حدقني": رموني بـ "حدقهم" جمع "حَدَقة" وهي: العين، والتحديق: شدة النظر. المجموع المغيث (١/ ٤١٣)، النهاية (١/ ٣٥٤).
(٢١) "الثكل" -بضم الثاء وإسكان الكاف، وبفتحهما جميعا، لغتان كالبُخْل و "البَخَل" هو: فقدان المرأة ولَدَها، وامرأة "ثَكْلى"، و"ثاكِلٌ"، وثَكِلَتْهُ أمه -بكسر الكاف- وأثكله الله تعالى أمه. انظر: المشارق (١/ ١٢٩)، المجموع المغيث (١/ ٢٦٩)، شرح النووي (٥/ ٢٠).
(٢٢) "أمياه" -بكسر الميم- والياء بعدها ياء الإضافة، فتحت وأُشْبِعَتْ بألف على إحدى اللغات و "الهاء" هاء السكت. شرح السنوسي لمسلم (٢/ ٤٣٣).
(٢٣) فعلوا هذا ليسكِّتوه، وهذا محمول على أنه كان قبل أن يُشرع التسبيحُ لمن نابه شيء في صلاته. شرح النووي (٥/ ٢٠) وانظر: شرح الأبي (٢/ ٤٣٣).
(٢٤) جواب "لما" محذوف، وبه يتم المعنى، أي: فلما رأيت القوم يصمتونني غضبتُ ولكني سكتُّ، ولم أعمل بمقتضى الغضب. شرح السنوسي لمسلم (٢/ ٤٣٤).
ملاحظة: في نسخة "الأبي" يوجد لفظ "غضبت" في المتن، ويظهر أنه خطأ.
(٢٥) (ك ١/ ٣٧٩).
(٢٦) "الكهر": الانتهار، وقد كهره يكهره: إذا زبره واستقبله بوجه عبوس.
انظر: غريب أبي عبيد (١/ ٧٦)، المشارق (١/ ٣٤٨)، النهاية (٤/ ٢١٢).
(٢٧) جبل معروف شمالي المدينة.
(٢٨) الجوانية -بفتح وتشديد ثانيه، وكسر النون، وياء مشددة-: موضع في شمالي المدينة، وأما قول القاضي عياض أنها من عمل "الفرع" فليس بمقبول؛ لأن "الفرع" بين مكة والمدينة، بعيد من المدينة، و "أحد" في شام المدينة، وقد قال في الحديث: "قبل أحد والجوانية" فكيف يكون عند الفرع. شرح النووي (٥/ ٢٣، ٢٤)، وانظر: معجم البلدان (٢/ ٢٠٣)، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة (ص ٩٣).
(٢٩) أي: لطمتها. مشارق الأنوار (٢/ ٤٤)، شرح النووي (٥/ ٢٤).
(٣٠) في (م): "فقلت".
(٣١) في (ل) و (م): "فجئته بها".
(٣٢) في الأصل "فأعتقَها" والمثبت من (ل، م، ط) وهو الأنسب بالسياق.
(٣٣) فوائد الاستخراج:
١ - روى أَبو عوانة هذا الحديث من طريق شيوخه:
أ- محمد بن عبد الله السكري.
ب- أحمد بن محمد الثقفي.
ج- عمار بن رَجَاء.
٢ - التقى مع الإمام مسلم في الطريق الأولى في "الأوزاعي"، مع المساواة؛ وفي الطريق الثانية في "يحيى بن أبي كثير"، مع المساواة، وهذا "بدل".
٣ - ساق الإمام مسلم طريق الأوزاعي ولم يسق متنه، بينما ذكر أَبو عوانة متن الطريق أيضًا، وفيه تميز للمتن المحال به على المتن المحال عليه.