للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٠٧ - حدثنا أحمدُ بن يوسف السُّلَمي، حدثنا النضر بن محمد (١)، ح

وحدثَنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو الوليد (٢) قالا: حدثنا عكرمةُ بن عمَّار (٣) حدثنا أبو زُمَيل (٤)، حدثنا عبد الله بن عباس، حَدثنا عمر بن الخطاب (٥) قال: لما كان يوم خيبر قُتِل أناسٌ من أصحابِ النبي (٦) ، فَجَعَلوا يقولون: قُتِل فلانٌ شَهيد، حتى مَرُّوا برجلٍ فقالوا: قُتِل فُلانٌ شهيد. فقال رسولُ الله : "كلا إني رأيته في النَّار في عباءةٍ غلَّها" -أو بُرْدةٍ غلَّها- ثم قال رسولُ الله : "يا ابن الخطابِ

⦗٣٣٥⦘ ناد في النَّاس: لا يدخل الجَنَّةَ إلا مؤمنٌ (٧).

قال: فنادَيتُ: ألا إنه لا يدخل الجنَّة إلا المؤمنون (٨) " (٩).

وهَذا لفظُ النضر (١٠)، وحَديثُ محمد بمَعناهُ، وَقال: فقمتُ فناديْتُ.

رواه أبو عبيد الله الوراق (١١)، عن أبي عاصمٍ (١٢)، عن عكرمةَ مثلَه (١٣).

قال أبو عَوانة: قد صَحَّ في حَديث أبي هُريرة أن النبي (١٤) أَمر بلالًا أن يُنادي: إنه لا يدخل الجنَّةَ إلا نفسٌ مُسْلِمَةٌ، وأمر عُمَرَ أن ينادي:

⦗٣٣٦⦘ لا يَدخل الجنَّة إلا المؤمنون، وقال جَل ثناؤه (١٥): ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)(١٦) وَقَدْ وَصفَ الله صفةَ المؤمنين في أوَّل سُورة الأنفال، وَفي سورةِ المؤمنين فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)[إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ](١٧) إلى قولهِ: ﴿يُنْفِقُونَ﴾ (١٨) وَقَال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ إلى قوله: ﴿يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)(١٩).

قال أبو عَوانة: وَسألتُ المزنيَّ (٢٠) في أَول ما وَقع إلينا الخبر (٢١) بمصرَ أنَّ

⦗٣٣٧⦘ بحَرَّان اختلافًا بين أهل الحديث في هذه المسألة، فسألتُه عن الإيمان والإسلام فَقال لِي: همُا واحد (٢٢)، وكان بلغَنَا (٢٣) عن أحمدَ بن حَنبل أنه فَرَّق بينهما، وَزعمَ أنَّ حمَّادَ بن زيد فرَّق بينهما (٢٤)، ثم حَدثنا به صالحُ بن أحمد (٢٥) بن حَنبلٍ، عن أبيهِ بذلك، قالَ (٢٦) لي المزني: هما واحد، فاحتججتُ عليه بحديثِ النبي : لا يَزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (٢٧)، وَبقول الزهري في ذلك (٢٨)، والأحَاديث التي جاء في أنَّ جبريل جاء (٢٩) إلى النبي فسأله عَن الإيمان، وَسأله عن الإسلام في أحاديثَ

⦗٣٣٨⦘ أُخر، فرأَيتُه لا يَرْجعُ عَنْ قَوْله، وقلتُ له: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ (٣٠). قال: هَذه (٣١) اسْتَسْلَمْنَا.

فَقال لِي -فيما قال: - قال الله [] (٣٢): ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ وَقال لي: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (٣٣).

وَقال لي: ويحك أَفَدِينٌ أعْلا مما (٣٤) عندَ الله؟ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.

وكذلك كان إسماعيلُ القاضي (٣٥) يقول: إنهما واحد.


(١) ابن موسى الجُرَشي اليمامي.
(٢) الطيالسي، هشام بن عبد الملك الباهلي.
(٣) تكلِّم في روايته عن يحيى بن أبي كثير، وهذه ليست منها، وانظر: ح (٧١).
(٤) سماك بن الوليد الحنفي اليمامي.
(٥) سقطت عبارة الترضي من (ك).
(٦) في (ك): "رسول الله".
(٧) في (ك): "المؤمنون".
(٨) في (م): "مؤمن".
(٩) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب غلظ تحريم الغلول … (١/ ١٠٧ ح ١٨٢) من طريق هاشم بن القاسم عن عكرمة بن عمار به.
وأخرجه الدارمي في سننه -كتاب السير -باب ما جاء في الغلول من الشدة (٢/ ٣٠٢ ح ٢٤٨٩) عن أبي الوليد الطيالسي، عن عكرمة به.
فائدة الاستخراج:
١ - قوله في الحديث: "فقتل أناس من أصحاب رسول الله " ليس عند مسلم.
٢ - تعليق المصنِّف عقب الحديث على فقه الحديث من فوائد الاستخراج.
(١٠) في (ك): "هذا لفظ أبي النضر".
(١١) حماد بن الحسن بن عنبسة النهشلي البصري، وهو من شيوخ المصنِّف، وقد روى له كما مرَّ في ح (٤٥).
(١٢) الضحاك بن مخلد النبيل.
(١٣) لم أجد من وصله من هذا الطريق.
(١٤) في (م): "رسول الله".
(١٥) في (ك): "وقال الله ".
(١٦) سورة آل عمران- الآية (٨٥).
(١٧) ما بين المعقوفتين من (ك).
(١٨) سورة الأنفال- الآيات (١ - ٣).
(١٩) سورة المؤمنون- الآيات (١ - ١١).
(٢٠) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو المزني، أبو إبراهيم المصري، توفي سنة (٢٦٤ هـ).
أحد أبرز تلاميذ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، كان قليل الرواية، ولكنه كان رأسًا في الفقه، له أقوال في العقيدة في نصرة مذهب السلف أهل السنة والجماعة، وثقه ابن أبي حاتم، وابن يونس وغيرهما.
انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٢/ ٢٠٤)، وفيات الأعيان لابن خلكان (١/ ٢١٨) طبقات الشافعية للسبكي (٢/ ٩٣)، سير أعلام النبلاء للذهبي (١٢/ ٤٩٢).
(٢١) في (ك): "الخبر إلينا".
(٢٢) في (ك): "هما والله واحد".
(٢٣) القائل: وكان بلغنا، هو المصنف.
(٢٤) أخرجه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (٤/ ٨١٤) من طريق أحمد بن حنبل عن أبي سلمة الخزاعي عن حماد بن زيد بذلك، ومعنى زعم: قال، كما سبق التنبيه عليه في ح (٦٥).
(٢٥) ما بين النجمتين ساقط من (م)، وهذا النقل عن أحمد علَّقه المصنِّف بلاغًا -أولًا- ثم وصله.
(٢٦) في (ك): "فقال".
(٢٧) سبق تخريجه، انظر: ح (١٠٤).
(٢٨) يعني به قول الزهري في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ قال: "نرى أن الإسلام الكلمة، والإيمان العمل".
أخرجه أبو داود في سننه -كتاب السنة- باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (٤/ ٢٢٠ - ٢٢١ رقم ٤٦٨٤).
(٢٩) سقطت كلمة: "جاء" من (م).
(٣٠) سورة الحجرات- الآية (١٤).
(٣١) في (م): "في هذه".
(٣٢) في (ك) زيادة: "".
(٣٣) سورة آل عمران- الآية (١٩).
وقوله: "وقال لي: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ " ليس في (ك).
(٣٤) في (ك): "أعلاها".
(٣٥) هو: إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري، شيخ المصنِّف، وقد روى عنه كما سبق في ح (٥٢، ١٣١).
مسألة:
الإيمان والإسلام هل هما واحد؟ أم هما متغايران؟
مسألة:
وقع الخلاف فيها بين السلف رحمهم الله تعالى، فذهب إلى أنهما واحد: مجاهد، والمزني صاحب الشافعي -كما نقل المؤلف عنه-، والإمام البخاري، ومحمد بن نصر =
⦗٣٣٩⦘ = المروزي، وابن منده، ومقاتل بن حيَّان، وغيرهم.
واختاره أيضًا ابن عبد البر، وحكاه عن أكثر أهل السنة من أصحاب مالك والشافعي، وداود، وهو اختيار المصنِّف كما يظهر من ترجمة الباب.
وتعقَّب ابنُ رجب الحنبلي ابنَ عبد البر بقوله: "هذا غير جيد، بل قد قيل: إن السلف لم يُروَ عنهم غير التفريق، والله أعلم". فتح البارى لابن رجب (١٣٠/ ١).
وذهب إلى القول بالتفريق: الحسن البصري، وابن سيرين، والزهري، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، ومالك، وأحمد بن حنبل، واختاره ابن جرير كثيرٌ غير هؤلاء من السلف، ومن المتأخرين: البغوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن كثير، وابن رجب الحنبلي.
وقالوا في تحقيق ذلك -وهو التحقيق إن شاء الله-: إن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بحسب الإفراد والاقتران، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، وإن قُرِن بينهما كانا شيئين حينئذٍ، على القاعدة التي يقررها علماء التفسير "إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا" أي في الدلالة، ويمثل له أيضًا بالفقير والمسكين إذا أفرد أحدهما بالذكر دخل فيه الآخر، وإذا اقترنا في نصٍ كان كل منهما بحاجة إلى تعريفٍ يخصُّه.
ففي حال اقتران الإسلام والإيمان يراد بالإسلام: الأعمال الظاهرة، وبالإيمان: الأعمال الباطنة، أو كما عبر الإمام الزهري بقوله: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل.
وللوقوف على أقوال هؤلاء انظر:
تفسير ابن جرير الطبري (٢٦/ ١٨٢ - ١٨٤)، السنة لأبي بكر الخلال (٣/ ٦٠٢)، تعظيم قدر الصلاة للمروزي (٢/ ٥١٢ - ٥١٧)، الإيمان لابن منده (١/ ٣٢١)، شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي (٤/ ٨١٢ - ٨١٥)، التمهيد لابن عبد البر (٩/ ٢٤٩ - ٢٥٠) شرح السنة للبغوي (١/ ١٠)، تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣٤).
وللوقوف على التفصيل في المسألة ومناقشة أدلة كل فريق، والترجيح انظر: =
⦗٣٤٠⦘ = مجموع الفتاوى لابن تيمية (٧/ ١٦٢ - ١٦٧، و ٢٣٨ وما بعدها)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (ص: ٣٤٧ - ٣٥١)، فتح الباري لابن رجب الحنبلي (١/ ١٢٦ - ١٣٠)، وجامع العلوم والحكم له أيضًا (١/ ١٠٥ - ١١١)، فتح الباري للحافظ ابن حجر (١/ ١٤٠) لوامع الأنوار البهية للسفَّاريني (١/ ٤٢٦ - ٤٣٠)، نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف للدكتور محمد بن عبد الله الوهيبي (١/ ٥٧ - ٨١) وهذا الأخير هو الأفضل من حيث عرض الأقوال وترتيبها، والتقريب بينها، ومناقشة أدلتها، ثم الترجيح والتلخيص.