للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ إلَى آخِرِ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْكَارُ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى هَذَا اعْتِمَارَ الْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْعُمْرَةِ فَخَطَأٌ بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ كَانَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي اعْتَمَرَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحَيْثُ يَتَخَلَّفُ عَنْ الْحَجِّ إذَا خَرَجَ النَّاسُ لِلْحَجِّ بَلْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَصَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ إنْكَارٌ لِمُتْعَةِ الْمَكِّيِّ لَا لِمُجَرَّدِ عُمْرَتِهِ. فَإِذَا ظَهَرَ لَك صَرِيحُ هَذَا الْخِلَافِ مِنْهُ فِي إجَازَةِ الْعُمْرَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُجَرَّدُ عُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَمَنْعُهَا وَجَبَ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَرَّرَ الْمَكِّيُّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ هَلْ يَتَكَرَّرُ الدَّمُ عَلَيْهِ؟. فَعَلَى مَنْ صَرَّحَ بِحِلِّهَا لَهُ، وَأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ إلَّا لِتَمَتُّعِهِ لَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ تَكَرُّرِهِ وَتَمَتُّعِهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَعَلَى مَنْ مَنَعَ نَفْسَ الْعُمْرَةِ مِنْهُ وَأَثْبَتَ أَنَّ نَسْخَ حُرْمَتِهَا إنَّمَا هُوَ لِلْآفَاقِيِّ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّمُ بِتَكَرُّرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ، وَنَظَرَ هَؤُلَاءِ إلَى الْعُمُومَاتِ، مِثْلَ " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ ". وَصَرِيحُ مَنْعِ الْمَكِّيِّ شَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْجَمْعِ تَمَتُّعًا فَيَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، غَيْرَ أَنَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَقُولَ: دَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ وَيَخْرُجُ بِهِ مَعَهُ، وَتَعْلِيلُ مَنْعِ الْجَمْعِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ أَنْ يَحْصُلَ الرِّفْقُ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ الْآتِيَةِ مِنْ قِبَلِ تَعَدُّدِ السَّفَرِ أَوْ إطَالَةِ الْإِقَامَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ، فَيَبْقَى الْمَنْعُ السَّابِقُ عَلَى مَا كَانَ وَيَخْتَصُّ النَّسْخُ بِالْآفَاقِيِّ، وَلِلنَّظَرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَجَالٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ عَامًا مِنْ كِتَابَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْوَجْهَ مَنْعُ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ خَاصٌّ لَمْ يَثْبُتْ، إذْ الْمَنْقُولُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّظَرُ فِي الْآيَةِ.

وَحَاصِلُهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ إلَخْ تَخْصِيصُ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ مُقَارِنٌ. وَاتَّفَقُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ تَجْوِيزَهُ لِلْآفَاقِيِّ لِدَفْعِ الْحَرَجِ كَمَا عُرِفَ وَمَنَعَهُ مِنْ الْمَكِّيِّ لِعَدَمِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْحَرَجِ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِمَنْعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْرَجْ بِعَدَمِ الْجَمْعِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ عَدَمُهُ، بَلْ إنَّمَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْحَرَجِ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ أَنْ يَجُوزَ لَهُ كُلٌّ مِنْ عَدَمِ الْجَمْعِ وَالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يُحْرَجْ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ لَا يُحْرَجْ فِي الْجَمْعِ، فَحِينَ وَجَبَ عَدَمُ الْجَمْعِ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِأَمْرٍ زَائِدٍ، وَلَيْسَ هُنَا سِوَى كَوْنِهِ فِي الْجَمْعِ مَوْقِعًا الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ نَفْسِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ مُتَعَيِّنٌ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَبْدَيْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ إلَخْ، وَهُوَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَكُونُ مَنْعُهُ مِنْ التَّمَتُّعِ إلَّا لِلْعُمْرَةِ، فَكَانَ حَاصِلُ مَنْعِ صُورَةِ التَّمَتُّعِ إمَّا لِمَنْعِ الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ، وَالْحَجُّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَتَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ غَيْرَ أَنِّي رَجَّحْتُ أَنَّهَا تَتَحَقَّقُ، وَيَكُونُ مُسْتَأْنِسًا بِقَوْلِ صَاحِبِ التُّحْفَةِ لَكِنَّ الْأَوْجُهَ خِلَافُهُ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْآفَاقِيِّ الَّذِي يَعْتَمِرُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ بِقَوْلِهِمْ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا، وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُودِ الْفَاسِدِ مَعَ الْإِثْمِ وَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُودِ الْبَاطِلِ شَرْعًا مَعَ ارْتِكَابِ النَّهْي كَبَيْعِ الْحُرِّ لَيْسَ بِبَيْعٍ شَرْعِيٍّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَسْلُكُ فِي مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَسْلَكَ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>