للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إلْمَامُهُ، بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَحَّ إلْمَامُهُ

وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَصْلُ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ الْإِجْمَاعُ، عَلَى أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ كَانَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِمَكَّةَ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ هُوَ الْوَجْهُ. هَذَا وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقِرَانُ الْجَائِزُ مَا لَمْ يَنْقَضِ وَطَنُهُ بِمَكَّةَ لِلُّزُومِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ فِيهِ كَالْمُتَمَتِّعِ، فَإِنْ قَرَنَ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ قَرَنَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ التَّمَتُّعِ بِالنَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَيَلْزَمُ فِيهِ وُجُودُ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَوُجُوبُ الشُّكْرِ بِالدَّمِ مَا كَانَ إلَّا لِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِيهَا ثُمَّ الْحَجِّ فِيهَا، وَهَذَا فِي الْقِرَانِ كَمَا هُوَ فِي التَّمَتُّعِ.

وَمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا وَطَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ قَارِنٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُرَادٌ بِهِ الْقَارِنُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَرَنَ: أَيْ جَمَعَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَفَى لَازِمَ الْقِرَانِ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ وَنَفْيُ اللَّازِمُ الشَّرْعِيِّ نَفْيُ الْمَلْزُومِ الشَّرْعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّسُكَ الْمُسْتَعْقِبَ لِلدَّمِ شُكْرًا هُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ الْمَشْرُوعِ الْمُرْتَفَقِ بِهِ النَّاسِخِ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَمْعِ فِي الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَهُوَ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَكِلَاهُمَا التَّمَتُّعُ بِالْإِطْلَاقِ الْقُرْآنِيِّ وَعُرْفِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إطْلَاقُ اللُّغَةِ لِحُصُولِ الرِّفْقِ بِهَذَا النَّسْخِ. هَذَا كُلُّهُ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا مَا أَعْتَقِدُهُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَسَأَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَادَ) الْحَاصِلُ أَنَّ عَوْدَ الْآفَاقِيِّ الْفَاعِلِ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ رُجُوعِهِ وَحَجِّهِ مِنْ عَامِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا، وَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْطُلُ إلْحَاقًا لِعَوْدِهِ بِالْعَدَمِ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ شَرْعًا إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ الْمُتْعَةِ. وَالتَّقْيِيدُ بِعَزْمِ الْمُتْعَةِ لِنَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ، وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا، ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِ التَّابِعِينَ، وَقَوْلُ مَنْ نَعْلَمُهُ قَالَهُ مِنْهُمْ مُطْلَقٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَيْضًا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ إذْ لَا سُنَّةَ ثَابِتَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ.

رَوَى الطَّحَاوِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>