وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيُزِيلُ التَّفَثَ وَالشَّعَثَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَتُوجِبُ الدَّمَ، وَكَوْنُهُ مَطْعُومًا لَا يُنَافِيهِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْخَلِّ الْبَحْتِ.
أَمَّا الْمُطَيِّبُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، وَلَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهِ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ
وَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا مِنْ كَوْنِهِ عَمَّمَ الزَّيْتَ فِي الْخَلِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخَلَّ كَالزَّيْتِ فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ الدَّمَ عَيْنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا دَهَنَ كُلَّهُ أَوْ عُضْوًا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ إلْحَاقًا بِكَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَتُهُ فَاحْتَاجَ إلَى جَعْلِهِ جُزْءَ عِلَّةٍ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَمَنْ اكْتَفَى بِذَلِكَ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ فَقَصَدَ الْإِلْحَاقِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فِي الْجَزَاءِ فِي الْجُمْلَةِ احْتِجَاجًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ حَكَى خِلَافَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ وَجْهَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ فِي لُزُومِ الصَّدَقَةِ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِيهِ: فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ كَكَسْرِ بَيْضِ الصَّيْدِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَصْلَ الطِّيبِ أَنَّهُ يُلْقَى فِيهِ الْأَنْوَارُ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ نَفْسُهُ طِيبًا.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ) أَيْ الْخَالِصِ (وَالْخَلِّ الْبَحْتِ) هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ (أَمَّا الْمُطَيَّبُ مِنْهُ) وَهُوَ مَا أُلْقِيَ فِيهِ الْأَنْوَارُ (كَالزِّنْبَقِ) بِالنُّونِ وَهُوَ الْيَاسَمِينُ وَدُهْنُ الْبَانِ وَالْوَرْدِ (فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِالِاتِّفَاقِ الدَّمُ) إذَا كَانَ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ) أَيْ الزَّيْتَ الْخَالِصَ أَوْ الْخَلَّ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ طِيبًا كَامِلًا اُشْتُرِطَ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِهِمَا اسْتِعْمَالَهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، فَلَوْ أَكَلَهُمَا أَوْ دَاوَى بِهِمَا شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلِذَا جَعَلَ الْمَنْفِيَّ الْكَفَّارَةَ لِيَنْتَفِيَ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ، بِخِلَافِ الْمِسْكِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةِ وَالْكَافُورِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ وَهُوَ مَا يَلْزَقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَهَذِهِ تَشْهَدُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. ثُمَّ الْأَكْلُ الْمُوجِبُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا هُوَ، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْأَفَاوِيهِ مِنْ الزَّنْجَبِيلِ وَالدَّارَصِينِيِّ يُجْعَلُ فِي الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ السِّكْبَاجَ الْأَصْفَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ بَلْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ كَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً كُرِهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فَإِنَّهُ كَالْمُسْتَهْلَكِ، أَمَّا إذَا كَانَ غَالِبًا فَهُوَ كَالزَّعْفَرَانِ الْخَالِصِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ عَدَمًا عَكْسُ الْأُصُولِ وَالْمَعْقُولِ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ. وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ.
فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا تَخَيَّرَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فِيمَا إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute