التَّطَيُّبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
(وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ،
يُفِيدُ تَفْسِيرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَنَّهُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ وَيُشْعِرُ بِالْخِلَافِ، لَكِنْ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ: يَعْنِي الْكُحْلَ فَفِيهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ، لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ لَحَكَاهُ ظَاهِرًا كَمَا هُوَ عَادَةُ مُحَمَّدٍ ﵀، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْصِيصُهُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَمَا فِي الْكَافِي الْمِرَارُ الْكَثِيرُ، هَذَا فَإِنْ كَانَ الْكُحْلُ عَنْ ضَرُورَةٍ تَخَيَّرَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا إذَا تَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَأَلْزَقَهُ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ شَرِبَهُ شُرْبًا. وَفِي الْفَتَاوَى: لَوْ غَسَلَ بِأُشْنَانٍ فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ كَانَ مَنْ رَآهُ سَمَّاهُ أُشْنَانًا فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ سَمَّاهُ طِيبًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ. اهـ.
وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ طِيبًا لَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ. وَلَهُ مَنْعُ نَفْيِ الطِّيبِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ رَائِحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً فَكَانَ كَالْحِنَّاءِ مَعَ قَتْلِهِ الْهَوَامَّ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَأُوِّلَ بِمَا إذَا غَسَلَ بِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ. وَعَنْهُ فِي أُخْرَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لِلتَّطَيُّبِ وَالتَّغْلِيفِ، قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ، وَقَوْلُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا خِلَافَ. وَقِيلَ بَلْ الْخِلَافُ فِي الْعِرَاقِ. وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ أَوْ الْحُرُضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقَالُوا: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ بَيْنَ مَا إذَا أَحْدَثَ اللُّبْسَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَدَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَيْهِ، بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لِلنَّصِّ فِيهِ وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا فِيهِ أَيْضًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُخْتَارًا فِي اللُّبْسِ أَوْ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا فَغَطَّى إنْسَانٌ رَأْسَهُ لَيْلَةً أَوْ وَجْهَهُ حَتَّى يَجِبَ الْجَزَاءُ عَلَى النَّائِمِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لَهُ، وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ لَا الْمُوجِبَ عَلَى مَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي مَوَاضِعَ. وَالتَّقْيِيدُ بِثَوْبٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا لَيْسَ بِمُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، بَلْ لَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لُبْسٌ وَاحِدٌ وَقَعَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ فِيمَا عَلَى الْمُفْرِدِ فِيهِ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهَا لَيْلًا وَيُعَاوِدُ لُبْسَهَا نَهَارًا أَوْ يَلْبَسُهَا لَيْلًا لِلْبَرْدِ وَيَنْزِعُهَا نَهَارًا مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الثَّانِي لُبْسًا مُبْتَدَأً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يُكَفِّرْ فَاللُّبْسُ عَلَى حَالِهِ فَهُوَ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَّرَ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.
وَهُمَا يَقُولَانِ: لَمَّا نَزَعَ عَلَى عَزْمِ التَّرْكِ نَقْطَعُ حُكْمَ اللُّبْسِ الْأَوَّلِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي مُبْتَدَأً. فَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّزْعَ مَعَ عَزْمِ التَّرْكِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ اللُّبْسَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ التَّكْفِيرُ. وَلَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا آخَرَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى اللُّبْسِ كَابْتِدَائِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute