(وَلَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ (وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُ كُلِّهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ.
«أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» قَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: وَمَنْ طَافَ تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَأَحَبُّ إلَيْنَا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ سِوَى الَّذِي طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ. هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ أَنَّ فِي نَجَاسَةِ الْبَدَنِ كُلِّهِ الدَّمَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ: فَلِمَ لَمْ تُلْحَقْ الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ بِالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ وَهُوَ الْأَصْلُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ قِيَاسًا أَوْ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا فِي إثْبَاتِ شَرْطٍ بَلْ فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَاصِلِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ أَخَفُّ حَتَّى جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ وَمَعَ كَثِيرِهَا حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ وَهَذَا يَخُصُّ الْفَرْقَ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ دُونَ السَّتْرِ، ثُمَّ أَفَادَ فَرْقًا بَيْنَ السَّتْرِ وَبَيْنَهُ بِأَنَّ وُجُوبَ السَّتْرِ لِأَجْلِ الطَّوَافِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» فَبِسَبَبِ الْكَشْفِ يَتَمَكَّنُ نُقْصَانٌ فِي الطَّوَافِ وَاشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الثَّوْبِ لَيْسَ لِلطَّوَافِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِتَرْكِهِ نُقْصَانٌ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ الْمُشَارِكَةَ لِلطَّوَافِ فِي سَبَبِيَّةِ الْمَنْعِ.
وَأَفَادَهَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: الْمَنْعُ مِنْ الطَّوَافِ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ لَيْسَ لِأَجْلِ الطَّوَافِ بَلْ لِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ إدْخَالِهِ النَّجَاسَةَ وَصِيَانَتِهِ عَنْ التَّلْوِيثِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ نَقْصًا فِي الطَّوَافِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَبْرِ إلَّا أَنَّهُ نَفَى سَبَبِيَّةَ الطَّوَافِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ الْمَنْعُ مِنْ الطَّوَافِ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنَعَ لَكَانَ لِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ أَنَّ الْمَنْعَ ثَابِتٌ مَعَ النَّجَاسَةِ وَلِذَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ إلَى الْوُجُوبِ فَلَا يَنْتَهِضُ مُوجِبًا لِلْجَابِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَنْصِيصٌ سِوَى عَلَى الثَّوْبِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ تَعْمِيمَ الْبَدَنِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ فَكَانَ أَفْحَشَ) فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اخْتَلَفَ الْجَابِرُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الطَّوَافِ دُونَ الصَّلَاةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْجَابِرُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ اعْتِبَارًا لِلْمُسَبِّبِ عَلَى وِزَانِ سَبَبِهِ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِلتَّعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي الْحَجِّ لِشَرْعِ الْجَابِرِ فِيهِ مُتَنَوِّعًا إلَى بَدَنَةٍ وَشَاةٍ وَصَدَقَةٍ فَاعْتُبِرَ تَفَاوُتُ الْجَابِرِ بِتَفَاوُتِ الْجِنَايَةِ وَتَعَذَّرَ فِي الصَّلَاةِ إذْ لَمْ يُشْرَعْ الْجَابِرُ لِلنَّقْصِ الْوَاقِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute