للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَتَلْزَمُهُ شَاةٌ. فَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ لَا يَعُودَ

وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْجُنُبِ مُعْتَدٌّ بِهِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ، وَالْوَاجِبُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ الدَّمُ فَلَا يَجِبُ بِالنُّقْصَانِ مَا يَجِبُ بِالتَّرْكِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنَاطَ وُجُوبِ الدَّمِ كَمَالُ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الطَّوَافِ مَعَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ بِهِ كَمَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ، وَلِذَا حَقَّقْنَا وُجُوبَ الدَّمِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ جُنُبًا، وَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ أَصْلًا؛ لِثُبُوتِ الْجِنَايَةِ فِي فِعْلِهِ جُنُبًا وَعَدَمِهَا فِي تَرْكِهِ فَالْمَدَارُ الْجِنَايَةُ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لُزُومِ الدَّمِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَالصَّدَقَةِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مُحْدِثًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي الْوَاجِبِ بِالشُّرُوعِ أَنَّهُ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَهَذَا الْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالصَّدْرِ فَلِمَ اتَّحَدَ حُكْمُهُمَا؟ فَالْجَوَابُ مَنْعُ قِيَامِ الْفَرْقِ فَإِنَّ وُجُوبَهُ مُضَافٌ إلَى الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ كَوُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الشُّرُوعُ، وَلِهَذَا لَوْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ فِعْلِ الصَّدْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ.

(قَوْلُهُ: يَسِيرٌ) لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ بِالْكَثْرَةِ. وَعَنْ هَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الرُّكْنَ عِنْدَنَا هُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْوَاطُ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بِهِ الْوَاجِبُ. وَهَذَا حُكْمٌ لَا يُعَلَّلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ إذْ جَبْرُهَا بِالدَّمِ مَمْنُوعٌ عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُ فِيهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ، بَلْ جَبْرُهَا بِهِ لِإِقَامَةِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. وَسَبَبُ اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذْ لَا يُقَامُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا مَقَامَ الْكُلِّ قَوْلُهُ «الْحَجُّ عَرَفَةَ»، وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ مَعَ الْعِلْمِ بِبَقَاءِ رُكْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ، وَحَكَمْنَا لِهَذَا بِالْأَمْنِ مِنْ فَسَادِ الْحَجِّ إذَا تَحَقَّقَ بَعْدَ الْوُقُوفِ مَا يُفْسِدُهُ قَبْلَهُ. فَعَلِمْنَا أَنَّ بَابَ الْحَجِّ اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرْعًا هَذَا الِاعْتِبَارُ وَالطَّوَافُ مِنْهُ فَأَجْرَيْنَا فِيهِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ فِي إثْبَاتِ الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْآخَرَ غَيْرُ مُنْتَهِضٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الطَّوَافُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ، فَلَمَّا فَعَلَهُ سَبْعًا اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَقْدِيرًا لِلْكَمَالِ وَلَمَّا لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهُ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْكَمَالِ أَوْ لِلِاعْتِدَادِ، وَيُقَامُ الْأَكْثَرُ مُقَامَ الْكُلِّ كَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ يُجْعَلُ شَرْعًا إدْرَاكًا لِلرَّكْعَةِ، وَكَالنِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ لِلصَّوْمِ تُجْعَلُ شَرْعًا فِي كُلِّهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ التَّطَوُّفُ، وَهُوَ أَخَصُّ يَقْتَضِي زِيَادَةَ تَكَلُّفٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِسْرَاعُ وَمِنْ حَيْثُ التَّكَثُّرُ، فَلَمَّا فَعَلَهُ مُتَكَثِّرًا كَانَ تَنْصِيصًا عَلَى أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ، ثُمَّ وُقُوعُ التَّرَدُّدِ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلْكَمَالِ أَوْ لِلِاعْتِدَادِ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمُتَيَقَّنِ كَوْنَهُ لِلْكَمَالِ فَإِنَّهُ مَحْضُ تَحَكُّمٍ فِي أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، بَلْ فِي مِثْلِهِ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فَيُعْتَبَرُ لِلِاعْتِدَادِ؛ لِيَقَعَ الْيَقِينُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ. وَعَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ لِلِاعْتِدَادِ يَكُونُ إقَامَةُ أَكْثَرِهِ مَقَامَ كُلِّهِ مُنَافِيًا لَهُ فِي التَّحْقِيقِ، إذْ كَوْنُ السَّبْعِ لِلِاعْتِدَادِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْهَا.

وَإِقَامَةُ الْأَكْثَرِ لَازِمُهُ حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَكَيْفَ يُرَتَّبُ لَازِمًا عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْمَلْزُومِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِإِلْحَاقِ مُدْرِكِ الرُّكُوعِ وَالنِّيَّةِ بَاطِلٌ. أَمَّا إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ بِالرُّكُوعِ فَبِالشَّرْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ بِإِجْزَاءِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ عَنْ الْأَرْبَعِ قِيَاسًا. وَأَمَّا النِّيَّةُ فَبَعِيدٌ أَنَّهُ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّا نَعْتَبِرُ الْإِمْسَاكَاتِ السَّابِقَةَ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِهَا، فَإِذَا وُجِدْت بِأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ تَحَقَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>