مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ
(وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا) لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ (سَوَاءً كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَلِهَذَا اكْتَفَى فِي مَوْضِعِ الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ
أَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا وَيَدْخُلُ فِي أُمِّ امْرَأَتِهِ جَدَّاتُهَا (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ) عَلَيْهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ ﵃ وَالْجُمْهُورُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ بِصِفَةٍ أَوْ حَالٍ كَمَا فِي الْآيَةِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ ﴿مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ حَالٌ مِنْ الرَّبَائِبِ لَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِهِ لَكِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَمْتَنِعُ، وَلِهَذَا خَالَفَ فِيهِ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵄ وَنَاهِيك بِهِمَا عِلْمًا فَجَعَلَا الدُّخُولَ قَيْدًا فِي حُرْمَةِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ.
وَوَجْهُهُ الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ كَلِمَاتٍ مَنْسُوقَةً انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ صِفَةً، وَلَا يَلْزَمُ وَصْفُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ الْمَعْطُوفِ، ثُمَّ يَبْطُلُ جَوَازُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَعْمُولَ عَامِلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ الْمُضَافَ إلَيْهِ أُمَّهَاتٌ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَالْمَجْرُورُ بِمِنْ بِهَا، فَلَوْ كَانَ الْمَوْصُولُ وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ صِفَةً لَهُمَا لَزِمَ ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الصِّفَةِ هُنَا بِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَأَبْطَلَهُ فِي الْكَشَّافِ بِلُزُومِ كَوْنِ مِنْ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَيَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَيَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّسَاءِ الْمُضَافِ إلَيْهِنَّ أُمَّهَاتٌ وَالِابْتِدَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّبَائِبِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ فِيهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي حَوَاشِيهِ: وَمَا يُقَالُ إنَّ الِابْتِدَاءَ مَعْنًى كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِي مِنْ فَضَرْبٌ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالتَّشْبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي إيصَالِ شَيْءٍ فَيَتَنَاوَلُ إيصَالُ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ وَالِدَاتٌ وَبِالرَّبَائِبِ لِأَنَّهُنَّ مَوْلُودَاتٌ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ جَعْلُ ﴿مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ مُتَعَلِّقًا بِالْأُمَّهَاتِ وَالرَّبَائِبِ جَمِيعًا حَالًا مِنْهُمَا.
وَفَائِدَةُ إيصَالِ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّسَاءِ بَعْدَ إضَافَتِهَا إلَيْهَا فِي زِيَادَةِ قَيْدِ الدُّخُولِ، لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى حُرْمَةِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ مَدْخُولَاتٍ كُنَّ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَاتٍ يَأْبَى هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْ هُنَا جُعِلَ مُتَعَلِّقًا بِرَبَائِبِكُمْ فَقَطْ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ النِّسَاءِ الْمُضَافِ إلَيْهِنَّ أُمَّهَاتٌ وَمِنْ الرَّبَائِبِ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ مَنْ جَوَّزَهُ بِمُسَوِّغٍ مِنْ كَوْنِ الْمُضَافِ صَالِحًا لِلْعَمَلِ فِي الْحَالِ أَوْ جُزْءًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شِبْهَ الْجُزْءِ فِي صِحَّةِ حَذْفِهِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ نَحْوُ ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾
(قَوْلُهُ سَوَاءً كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَشَرَطَهُ عَلِيٌّ، وَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ قَيْدَ الْحَجْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ، إذْ الْغَالِبُ كَوْنُ الْبِنْتِ مَعَ الْأُمِّ عِنْدَ زَوْجِ الْأُمِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَجْرِ هُنَا، وَلَوْلَا هَذَا لَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَبِالرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْهُ إلَى التَّحْرِيمِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ فَإِذَا انْتَفَى الْقَيْدُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ قَيْدًا فِي الْحُرْمَةِ اُكْتُفِيَ فِي مَوْضِعِ نَفْيِ الْحُرْمَةِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute