(وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ يَجُوزُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ، وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ يَجِبُ الْحَدُّ. وَلَنَا أَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى قَائِمٌ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ كَالنَّفَقَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفِرَاشِ وَالْقَاطِعُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ
بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: بِيعُوا جَارِيَتِي هَذِهِ، أَمَّا إنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إلَّا مَا يُحَرِّمُهَا عَلَى وَلَدِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ
(قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا) وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ جَائِزٍ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تُزَوَّجُ أَرْبَعٌ سِوَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ بَائِنٍ، وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَرُوِيَ مَذْهَبُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ ذَكَرَ فِي الْأَمَالِي رُجُوعَ زَيْدٍ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ.
حُكِيَ أَنَّ مَرْوَانَ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِي هَذَا فَاتَّفَقُوا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَخَالَفَهُمْ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ. ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ يَتَجَاذَبُهُ أَصْلَانِ: الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ، وَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَقَاسَ الْبَائِنَ عَلَى الثَّانِي بِجَامِعِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ. وَيَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حُدَّ. وَقِسْنَا عَلَى الْأَوَّلِ بِجَامِعِ قِيَامِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ انْقِطَاعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِنَا النِّكَاحُ قَائِمٌ حَالَ قِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَضْلًا عَنْ حَالَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا قِيَامَ أَحْكَامِهِ، لِأَنَّ لَفْظَ تَزَوَّجْت وَزَوَّجْت تَلَاشَى بِمُجَرَّدِ انْقِضَائِهِ، فَقِيَامُهُ بَعْدَهُ لَيْسَ إلَّا قِيَامُ حُكْمِهِ الرَّاجِعِ إلَى الِاخْتِصَاصِ اسْتِمْتَاعًا وَإِمْسَاكًا، وَقَدْ بَقِيَ الْإِمْسَاكُ وَالْفِرَاشُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ حَالَ قِيَامِ عِدَّةِ الْبَائِنِ فَيَبْقَى النِّكَاحُ مِنْ وَجْهٍ، وَإِذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ حَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا مِنْ وَجْهٍ فَتَحْرُمُ مُطْلَقًا إلْحَاقًا بِالرَّجْعِيِّ أَوْ بِمَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا جِهَتَا تَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ مَعَ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ.
وَيَخُصُّ تَزَوُّجَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ دَلَالَةُ النَّصِّ الْمَانِعِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُ عَلَّلَ فِيهِ بِالْقَطِيعَةِ وَهِيَ هُنَا أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ، فَإِنَّ مُوَاصَلَةَ أُخْتِهَا فِي حَالِ حَبْسِهَا بِلَا اسْتِمْتَاعٍ أَغْيَظُ لَهَا مِنْ مُوَاصَلَتِهَا مَعَ مُشَارَكَتِهَا فِي الْمُتْعَةِ. وَالْفَرْعُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الِانْقِطَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute